منطقة احتكرتها النساء واعتبرتها مملكتها الخاصة التى لا تسمح لأى شخص أن ينازعها أحد عليها، حتى وإن احتجت وطالبت بالمساواة ونادت بأن يتحمل الرجل من المهام المنزلية ما تحمله، لا تقبل أبدًا أن يكون لأحد سطوة أكبر منها على المطبخ. وفى المقابل، أحبت الغالبية العظمى من الرجال استبعادها من هذه المنطقة وأصبحوا يتفاخرون بأنه لا يمكنهم حتى أن يعدوا "كوباية شاى"، ولكن يظل المجد دائمًا لأولئك المغردون خارج السرب الذين تتبعوا شغفهم غير عابئين بالمعركة الخالدة بين الرجل والمرأة حول من يكون صاحب الاختصاص بالأعمال المنزلية.
وبعيدًا عن الطهاة المحترفين الذين يجبرهم البحث عن لقمة العيش على دخول المطبخ، الذين أصبحوا مرتبطين قدريًا بعالم الطبخ بسبب مهنتهم، تحدثنا مع عدد من الرجال الذين دخلوا المطبخ "بكامل إرادتهم الحرة" كما يقال، وتحدثوا مع "اليوم السابع" عن عشقهم لهذه المملكة التى يزعم الكثيرون أنها حكرًا على المرأة.
"محمد" طباخ بريمو من السمك للحلويات.. ومراته "بتصور"
محمد إسماعيل
على عكس غالبية الرجال أو الصبية الذين يكتفون بتذوق واستحسان ما تطبخه الأم من أكلات شهية كان فضول "محمد إسماعيل" تجاه "سر الطبخة" التى تعدها والدته كبيرًا، خاصة أنه تربى في "بيت أكيلة" كما يصفه. ونظرًا لكونه من الإسكندرية كانت والدته محترفة في طهي السمك، ويقول: "معظم الأكل كانت ماما متعلماه من الجيل القديم، ومنه أكلات انقرضت دلوقتي"، لم يكتف "محمد" بالاستمتاع بطعامه، وإنما كان حريصًا على أن يسأل والدته عن أسرار كل أكل، ويقول: "كنت بشوفها بتعمل إزاي واسألها، وبعد كدة أجربها أنا بس بإضافة لمسة من عندى، وكنت بحب أتفرج على برامج الطبخ وأجرب حاجات جديدة".
حلويات محمد إسماعيل
حلويات من أيادى محمد إسماعيل
وجبات محمد إسماعيل
مأكولات محمد إسماعيل
أطعمة محمد إسماعيل
يؤمن "محمد" أن لكل بيت طريقته فى الطبخ، ولكل طريقة طعمها المميز لذلك حرص على أن ينقل خبرة والدته هذه إلى زوجته، ولكن ليس بالطريقة التقليدية التى يتبعها كل زوج وهو التعبير عن امتعاضه مما تقدمه زوجته، مؤكدًا أن أكل والدته كان أفضل، ولكن حرص "محمد" على تعليم زوجته الأكلات التى يتقنها ويطبخ لها بنفسه بين وقتٍ وآخر. ويقول: "معظم الأكل أنا اللي بعمل الأكل، وفي نفس الوقت بحاول أعلم مراتي أنا بحب إيه وبيتعمل إزاى، واحنا متفقين من قبل الجواز إن كل حاجة فى البيت نعملها سوا وإيدى على إيدها مش فى الطبخ بس".
أما عن انطباع زوجته عن هذه الخطوة التى قد تراها بعض النساء تشكيكًا فى مهارتها فى الطهى "شيماء (زوجته) بتفرح جدًا عشان هي حاجة نادرة الأيام دى، وزى ما بتسمع دايمًا فى رجالة ما بتعرفش تعمل حتى الشاى". وعن الفرق بينه وبين زوجته فى الطهى يقول "هى بتحب تعمل الحاجة بمزاج وتاخد راحتها فيها على عكس ما أنا بعمل، لأنها كانت ما بتدخلش المطبخ قبل الجواز كتير بس بدأت تتعلم مني وتسأل والدتي عشان تعمل الأكل بنفس طريقتها ، وهي اللي مصورة شوية حاجات من الأكل اللي عملته".
أحمد.. أسطورة فى "المحمر والمشمر" والسر فى نفس والدته
فراخ أحمد
حمام أحمد سو
حمام بالفريك، بط محشى، تورتة، كوكيز وكنافة بالريد فيلفت.. عشرات الأطباق الشهية يضمها "سجل إنجازات" الشاب الثلاثينى "أحمد سو" في المطبخ والتى تبدأ من "المحمر والمشمر" وتمتد للحلويات وآخر تقاليعها، وعن حكايته مع المطبخ يقول لـ"اليوم السابع": "والدتى الله يرحمها كان نفسها حلو أوى فى الأكل، ومش بقول كده لأن أي واحد بيشوف أكل أمه أحسن أكل ولكن لأنها كانت معروفة على مستوى العيلة كلها بإن نفسها فى الأكل لا يعلى عليه".
حلويات أحمد سو
قصة انتقال أسرار الطهى من والدته إليه يذكرها "أحمد" بكل تفاصيلها ويقول "للأسف أمى كانت كبيرة فى السن لما وعيت عليها ، لأنها خلفتنى وهى فوق 45 سنة، ولما كنت فى إعدادى كانت هي كبيرة ومش حمل وقفة المطبخ وكانت مريضة بالسكر والضغط بالتالى لو عملت أكل بتبقى تعبانة، وفى يوم جات تصحينى عشان تراجعلى النصوص والنحو عشان عندي امتحانات قلت لها أنا نفسي في الملوخية النهاردة ، وهى كانت تعبانة فقالت لى خليها بكرة فاتضايقت، بس بعدين قلت لها طب خلاص أنا هعملها".
حلوى من أيادى أحمد سو
يواصل "سو" سرد تفاصيل ذلك اليوم "اتفقنا إنى أعمل الملوخية وهي تقولي أعمل إيه، وفى نفس الوقت تراجع معايا النصوص والنحو وأنا بعمل الأكل، وفعلاً نزلت السوق وجبت الملوخية وكل الطلبات وغسلتها وعملتها وكل دا بيحصل وهي بتسألني في المذاكرة، فضلنا على كدة لحمد ما عملت كل حاجة، الملوخية والفراخ والرز بالشعرية".
حلويات من أحمد
يذكر "أحمد" حتى الآن رغم مرور ما يزيد عن 10 سنوات شعوره حين بدأت الأسرة تأكل أول وجبة من صنع يديه "متعة إنى أكل أكل من عمايل إيدى، وطلع حلو بشهادة أبويا وأمى وإخواتى، كانت متعة رهيبة خلتنى بالتدريج أدوس أكتر فى الأكل وأجرب أعمل أكل جديد" .
إعداد الطعام بالنسبة لأحمد لم يعد مجرد وجبة شهية يأكلها من صنع يديه وإنما يقول: "بقى بيفكرني بلمة الأهل زمان، والونس ساعة الأكل ، ولحد دلوقتي لما أعمل أكل بفتكر الأيام دي وبترحم على أمى".
"عاصم" اتعلم الطبخ عشان يوفر ورفع شعار "ولا الحوجة للجواز"
تحت هاشتاج "الشيف درويش" تجد توثيقًا بالصور لكل إنجازات "عاصم درويش" فى المطبخ على الرغم من أنه يعمل بمجال الإعلام ولا علاقة له بالمطبخ، ولكنه أخذ هذه الخطوة بعد اضطراره لإعادة هيكلة الميزانية لظروف مالية ويقول "بقالى 6 سنين عايش لوحدى، وشغله أغلبه سفر وتصوير فكان أكلى كله من الشارع وماكنتش بحب المطبخ أبدًا ولا فكرت أدخله، لحد ما دخلت مشروع شغل أونلاين وكل الظروف اجتمعت عليا"، يوضح "معدتى تعبت والميزانية قصرت لأن الأسعار كانت بتزيد ودخلى ثابت وكمان كان عندى طاقة عاوز أخرجها فى أى حاجة، فاضطريت أعمل هيكلة للميزانية قللت قيمة الإيجار، وكمان قررت أطبخ فى البيت".
أكلات عاصم
التجربة الأولى لعاصم نجحت بنسبة 80% كما يقول، ويضيف "صديقة لى قالت لى الوصفة وفضلت على تواصل معايا لحد ما خلصت، ونزلت السوق أشترى بنفسى كل حاجة، أول مرة كانت بانيه وتانى أكلة كانت صينية بسلة بالجزر مع لحمة، وكمان دخلت عالم المشروبات".
من وجبات عاصم
تجربة "عاصم" بدأت تؤتى ثمارها ويقول: "كنت بصرف في رينج 1000 جنيه دلوقتى أنا وأخويا بنصف الثلث، وبنزل أسبوعيًا أشترى حاجات من السوبر ماركت بـ 200 جنيه، والاقى نفسى باكل أكلة نظيفة رخيصة وبوفر، وبطلع طاقة وبتعلم حاجة جديدة.. ولا الحوجة للجواز".
أكلات عاصم
وجبات من أيادى عاصم
مصطفى.. مهندس بدرجة شيف وشاعر كمان
مصطفى
أما خطوات "مصطفى أبو مسلم" الأولى فى عالم المطبخ فجاءت عن طريق مختلف فلم تجبره الوحدة أو الغربة على دخول المطبخ ويحكى لـ"اليوم السابع": "أنا بطبعى ما بحبش أطلب من حد أى حاجة، وعشان كدة ما كنتش بتقبل إنة أجة من برة أو أكون قاعد فة البيت وأطلب من أمة تعمل لة أكل، عشان كدة اتعودت واحدة واحدة أدخل المطبخ وأعمل حاجات".
فراخ مصطفى
وجبات من أيادى مصطفى
مأكولات مصطفى
ورغم دراسته للهندسة وهى الدراسة المعقدة التى تتطلب الكثير من المجهود والتركيز والانشغال أيضًا إلا أن "مصطفى" اعتاد التعاون فى شئون المطبخ مع أسرته، ويقول:"أحيانًا أنا اللى بعمل لهم أكل فى البيت لأمى وإخواتى وبيعجبهم".
ابداعات مصطفى
يرى "مصطفى" أن الطبخ يحسن حالته المزاجية ولهذا يرفع شعار "كل ما اكتئب أطبخ" حتى أنه يفكر في المستقبل في تغيير مجال عمله تمامًا وإنشاء مطعم صغير بدلاً من العمل في هندسة الميكانيكا.
مأكولات مصطفى
"عبد الله".. أستاذ فى "الكبدة والأرز بلبن" وبس.. الوحدة وحشة
على عكس مصطفى اضطر "عبد الله جمال الدين" لأن يدخل المطبخ بسبب الوحدة، ولكنه فخور بالنتائج التى وصل إليها، ويقول: "أنا بعمل واحد كبدة عسل" ويضيف "من بعد ما بقيت عايش لوحدي وحشني الأكل اللي بحبه فمالقيتش حل غير إنى أتعلمه".
بين التجارب الناجحة والفاشلة تظل "الكبدة" على الطريقة الإسكندرانية التى ينتمى إليها "عبد الله" هى أنجح تجاربه ويقول "اتصلت بأختي وطلبت منها تعلمني طريقتها ، وجربتها وفعلاً نجحت ، ولما نجحت جربت طلبت منها تعلمني إزاي أعمل أرز بلبن ، لأني بحب أكله هو كمان خاصة بعد الكبدة ، وفعلاً بقيت أعملهم كويس جدًا وما أكلهمش برة البيت ، وبحب الفتة جدًا عشان كده بفكر أتعلمها هى كمان". قبل مرحلة الطهى كان "عبد الله" ماهرًا فى مرحلة العصائر ويقول " أخري في المطبخ كان عصائر فريش، موز باللبن أو فراولة".