لم أنكر علاقتى بصفحتى على الـ«فيس بوك» لأننى «بنت ناس ومتربية ومعرفش أكذب
لا يوجد كاتب فى مصر أثار جدلا خلال العام الماضى مثلما حدث مع الكاتبة «فاطمة ناعوت» التى صدر بحقها حكما بالسجن 3 سنوات، لنشرها تدوينة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» عن شعيرة الأضحية، اعتبرها البعض ازدراء للدين الإسلامى، وهو ما اضطرها إلى مغادرة البلاد لعدة أشهر، ظن خلالها البعض أنها هروب من مصر، ثم العودة فجأة للبدء فى إجراءات قضائية لاستئناف الحكم.. «اليوم السابع» حاوت ناعوت، وأثارت معها العديد من القضايا الحيوية، وأزمة المثقفين مع مادة ازدراء الأديان، وسبب سفرها وعودتها إلى مصر، وملابسات التدوينة التى أثارت الأزمة حولها، إلى غيرها من القضايا المهمة التى تطرق اليها الحوار
ونسألها فى البداية عن نظرتها لحرية الإبداع فى مصر حاليا؟
- يوسف إدريس قال منذ 40 عاما إن الحريات الممنوحة لكل كتاب العرب مجتمعين، لا تكفى مبدعا واحدا ليكتب، وفى هذا التوقيت كان يصف المجتمع الذى كتب فيه إسماعيل أدهم رسالة «لماذا أنا ملحد»، وتم الرد عليه برسالة «لماذا أنا مؤمن»، ولم يقتل هذا ذاك، ولم يكفر أحد الآخر، وفى هذا التوقيت أيضا كتب طه حسين «فى الشعر الجاهلى» وهو كتاب ملغم، وعندما تم توجيه بلاغ ضده، قرر محمد نور رئيس النيابة حفظ البلاغ وقال: «هذا بحثا يصيب ويخطئ»، ومن المفترض أن الدستور الحالى قد نص على أنه لا عقوبة سالبة للحرية فى رأى، ما لم يتضمن تحريضا على فتنة طائفية أو عنصرية، أو تحريضا على عنف، أو الخوض فى الأعراض.
النخبة الثقافية فى مصر كانت تنظر لدستور 2014 باعتباره يراعى قدرا كبيرا من الحريات العامة، وعلى الرغم من ذلك، فإن عددا من الكتب تعرضوا لعقوبات سالبة للحريات بسبب كتاباتهم، ما رأيك فى هذا؟
- الدستور مجمد ومعطل ولم يفعل حتى الآن، وكان من المفترض أن يتولى البرلمان تحويل بنوده إلى قوانين، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، ولذلك نحن مازلنا نسير بمواد قانون العقوبات القديم الذى يتضمن المادة 98 الخاصة بازدراء الأديان، وهذه المادة لها قصة غريبة، حيث صدرت فى إبريل 1980 بالتزامن مع أحداث الفتنة الطائفية المعروفة بـ«الزاوية الحمراء» وحدث وقتها أن عددا من المتطرفين الإسلاميين فى صعيد مصر بداوا فى إهانة المسيحيين، وتدوين عبارات بذيئة على منازلهم، فحاور الرئيس أنور السادات أن يسترضى المسيحيين، فصدرت هذه المادة لحماية المسيحيين من تغول المتطرفيين الإسلاميين، لكن انقلبت الآية، وأصبح كل من تعرض للسجن بموجب هذه المادة مسيحيين، ومسلمين مستنيرين من المدافعين عن المواطنة وحقوق الإنسان.
هل تعتقدين أن هذه المادة سيفا مسلطا على المسيحى والمسلم المستنير أم أن هناك فئات أخرى؟
- هذه المادة سيفا مسلطا على المسيحى باعتباره «الحيطة المايلة»، وعلى المثقفين بشكل عام، وكان يستغلها الشيخ يوسف البدرى، وحصل على أحكام ضد أحمد عبدالمعطى حجازى وحلمى سالم وعبدالمنعم رمضان.
وهل هناك تعارض فى وجهة نظرك بين هذه المادة ونصوص الدستور؟
- هذه مادة هلامية وغير دستورية، فماذا يعنى ازدراء، ومن الذى يحدد اذا كان هناك ازدراء من عدمه، وما معيار الازدراء؟ ولذلك من المفترض أن تكون نصوص القانون أكثر حاكمية وأكثر تحديدا.
ولماذا إذن رفض ممثل وزارة العدل المشاريع التى قدمت لتعديل هذه المادة فى دور الانعقاد الأول للبرلمان؟
- لأنها مادة مفيدة «واى مثقف أو معارض مش عاجبنى هلبسه فى حيطة».
وهل هذه رغبة الحكومة أم رغبة التيارات الظلامية؟
- هذه رغبة كل من يحارب الديمقراطية، وبقاء هذه المادة يظل كارت لدى الحكومة تهدد به المثقفين.
فى التدوينة محل الجدل الخاصة بك لماذا وجهت إليك تهمة ازدراء الأديان؟
- فى هذه التدوينة أنا لم ازدرِ الدين، ولكن ازدرى من يزدرون الدين بعدم تطبيق الشعائر الدينية بطريقة سليمة، فأنا ضد تعذيب الحيوان أثناء ذبحه بعيدا عن أى شعيرة دينية، فكيف تريد أن تقنعنى بأنك تذبحه وتعذبه من أجل شعيرة دينية؟ وبالمناسبة نحن مشكلتنا مع داعش ليست أنهم قتلة أو يذبحون، لكن أنهم يفعلون هذا باسم الدين.
هل الرسالة التى جأت فى التدوينة كانت ملتبسة؟
- ليست ملتبسة إذا قرأتها كاملة وتابعت الفيديوهات المرفقة بها لكن التعامل معها بمنطق «لا تقربوا الصلاة»، فلن تفهمها وهذا ما فعله مقدم الدعوة ضدى، وأكبر خطأ فعلته هو أننى حذفت هذه التدوينة، فكل التعليقات التى وردت عليها كانت إيجابية ولم يبدأ الهجوم على إلا بعد أن قام مقدم الدعوة باتهامى بازدراء الدين.
كثير من الشخصيات العامة تنكر صلتها بصفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعى عندما تحدث أزمة
كتلك التى تعرضتى لها.. لماذا لم تفعلى ذلك؟
- «أنا بنت ناس ومتربية ومبعرفش أكذب»، ورغم أن هناك عشرات الصفحات التى تنتحل شخصيتى على الفيس بوك، إلا أننى لم أنكر صلتى بصفحتى.
هل كان «الفيس بوك» منصة مناسبة لنشر هذه التدوينة؟
- هذا خطأ أنا وقعت فيه، لأن هذه التدوينة كانت مليئة بالمجاز ولم يكن مناسبا نشرها على «الفيس بوك» فموضوعى لم يكن سيدنا إبراهيم أو واقعة الذبح، وإنما كنت أقصد الحديث عن تعذيب الأضحية.
لكن أحمد ناجى نشر نصا أدبيا فى أخبار الأدب وهى جريدة متخصصة فى الشأن الثقافى، ومع ذلك صدر ضده حكم بالسجن؟
- أحمد ناجى استخدم الفاظ صعبة بعض الشىء، وهذا لا يبرر حبسه، وأنا مع ضرورة حصوله على حريته، لكن التدوينة التى نشرتها كانت عبارة عن نص مجازٍ، وأى قارئ متعاطى أدب كان سيفهمه، وهذه التدوينة كانت لتمر مرور الكرام دون أن يشعر بها أحد، لولا أن واحدا أشار إليها بطريقة «الحق حرامى»، وهناك كثيرون لم يقرأوا التدوينة حتى اليوم ويهاجموننى.
بعد إثارة هذه الأزمة صدرت قرارات بمنع ذبح الأضاحى فى الشوارع، كيف كان رد فعلك؟
- سعدت للغاية، وقلت إذا كان سجنى ثمنا لهذا فلا مانع.
ما رأيك فى قضية أطفال المنيا الأقباط الذين صدر ضدهم حكم بازدراء الأديان، وهم الآن فى سويسرا بعد أن حصلوا على حق الجوء السياسى؟
- الطفل فى أمريكا يستطيع أن يسجن والده إذا تعرض له بالضرب، فكيف تسجن الدولة هنا الأطفال، رغم أنهم ازدروا داعش ولم يزدروا الإسلام.
الهجوم على سيد القمنى مؤخرا من جانب مجموعة من الأقباط أثار الحديث حول وجود محتسبين فى الجانب القبطى أيضا هل تتفقين مع هذا؟
- طبعا، وهناك دواعش مسيحيون، لأن الداعشية فكرة عابرة للأديان، فهناك من يخونك لمجرد انك اختلفت معه، وهذا ما فعله معى أقباط المهجر عندما رفضت أن أذهب معهم إلى الخارجية الأمريكية للهجوم على مصر، فأصبحت فى وجهة نظرهم عميلة وضد المسيحيين وحقوقهم.
لماذا سافرتى خارج مصر بالتزامن مع صدور الحكم ضدك؟
- سافرت للعمل فى مهمة صحفية، وخلال الفترة التى أمضيتها خارج البلاد تم تكريمى فى الإمارات، وفى جامعة يورك بكندا، وهذه الفعاليات كانت مقررة لها منذ عام 2015 قبل هذه القضية.
هل تتلقين عروضا بالحصول على لجوء سياسى أثناء وجودك فى الخارج؟
- كل أصدقائى فى أمريكا طلبوا منى عدم العودة إلى مصر، لدرجة أن بعضهم أخذ منى جواز السفر حتى يمنعونى من العودة، لأنهم كانوا يعلمون أننى «لابسة فى حيطة»، بالإضافة إلى أننى أثناء وجودى فى الإمارات قوبلت بحفاوة كبيرة جدا، لأنها دولة تقدر الناس، وكل يوم كنت أتلقى دعوات للتكريم من قامات كبيرة، لكن مع ذلك أنا لا أستطيع أن أعيش خارج مصر.
ما تقييمك لتجربتك فى انتخابات مجلس النواب الأخيرة؟
- أنا أنفى عن نفسى أننى سياسية، وقلت إننى لو دخلت فى مجلس النواب سأدخل كشاعرة حالمة، وكنت أتمنى أن أصنع المعادلة المستحيلة بين الشاعر الحالم باليوتوبيا الذى لا يصنع القرار، وصانع القرار الذى لا يحلم، وبالفعل اكتسحت نتائج الانتخابات فى الجولة الأولى، رغم أننى لم أصرف مليما واحدا على الدعاية الانتخابية، إلا أننى عندما قلت إن شراء الأصوات أسوأ من الدعارة، وعندما أكدت قبل جولة الإعادة أننى سأطالب بإسقاط الحصانة البرلمانية عن النواب، أصبح أعدائى هم النواب والمرشحون على مستوى الجمهورية، فتكتلوا ضدى بالإضافة إلى أعدائى التاريخيين من الإخوان والسلفيين.
لماذا تأرجحتى فى هذه الانتخابات بين الوفد والمصريين الأحرار؟
- الوفد هو سبب خسارتى، فبعد أن كنت سأترشح عن الوفد قرأت تصريحات لم تعجبنى للدكتور السيد البدوى رئيس الحزب، فقررت أن أترشح عن المصريين الأحرار، وطلبت منهم الحصول على استمارة بعدم الممانعة، لكن الغريب أنه منح هذه الاستمارة لأحمد مرتضى منصور ورفض أن يمنحها لى، رغم أننا كنا فى نفس التوقيت.
خلال معركتك الانتخابية الأخيرة ثم المعركة القضائية فيما بعد، هل لمستى دعما من القوى الليبرالية؟
- الدكتور السيد البدوى تحدث معى أثناء القضية، وأكد لى دعمه ومساندته لى، فقلت له: «شكرا كفاية اللى عملتوا معايا»، لإنى كنت غاضبة منه، وأغلب من دعمونى هم المثقفون وليس الأحزاب أو القوى السياسية، لأنها قضية رأى وليست قضية سياسية.
وماذا عن موقف اتحاد الكتاب؟
- عندما كان محمد سلماوى رئيس اتحاد الكتاب، وقف إلى جوارى وساندنى لكن الاتحاد لم يصدر بيانا بدعمى، رغم أن كل اتحادات كتاب العالم تضامنت معى، فمثلا نادى القلم الدولى خلال اجتماعه الأخير فى جوهانسبرج وضع مقعد مصر شاغرا، وهذا أعلى إجراء تصعيدى، بالإضافة لكيانات أخرى تضامنت معى، منها اتحاد الكتاب الأردنى، ونقابة الصحفيين المصريين، ونقابة المهندسين، بينما اتحاد الكتاب المصرى برئاسة الشاعر «المستنير» علاء عبدالهادى لم يصدر بيانا للتضامن معى.
ما رأيك فى موقف وزير الثقافة؟
- موقف حلمى النمنم وزير الثقافة كان مشرفا، وأذكر أنه اتصل بى بعد الحكم مباشرة، وقال لى: «أنا معكى بصفتى وباسمى»، أما عن الدعوات التى طالبت بإقالته، فأنا لا أحب العنتريات والتفاهات، و«يا فرحتى لما يستقيل ويجيبوا مكانه واحد ظلامى»، وعموما أنا لا أفرح بمن يدعمنى، ولا أحزن لمن لا يدعمنى.
ماذا تنتظرى من استئناف الحكم؟
- أثق فى عدل الله، وهو يعلم أننى لم ازدرى أى دين، ولكن ازدريت من يذدرى الدين، وحتى لو دخلت السجن سأحمد الله، لأن هذا ربما يكون أفضل لى من أن يقتلنى شاب موتور كما حدث مع الكاتب الأردنى ناهض حتر.
فى قضيتك وقضية ناهض حتر كان الـ«فيس بوك» هو الوسيط فكيف يتعامل الكاتب مع الـ«فيس بوك»؟
- تعلمت من هذه القضية ألا أكتب بوستات أدبية على «الفيس بوك»، لأن قارئ وسائل التواصل الاجتماعى متواضع للغاية ولا يجيد فن القراءة.
هل تأثر المناخ الأدبى فى مصر بأحكام السجن ضد الكتاب؟
- مفيد فوزى قالها صريحة: «لو فاطمة ناعوت اتحبست أنا هخاف» وبالفعل فإن كثيرا من الكتاب أصبحوا يخافون بعد قضيتى، والرقيب الذاتى لديهم بدا فى العمل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة