استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى، اليوم الاثنين، رئيس جمهورية سنغافورة الدكتور "تونى تان" لبحث مجالات التعاون المشترك بين البلدين فى كافة المجالات، وذلك باعتبار سنغافورة من أغنى الدول على مستوى العالم بالرغم من صغر مساحتها وافتقارها لأى موارد طبيعية تساعد البلاد فى تحقيق أى نهضة اقتصادية.
وبالرغم من افتقار سنغافورة لأى موارد طبيعية تمكنها من بناء دولة، فإن الجمهورية الصغيرة تمكنت خلال ما يقرب من 4 عقود لبناء أقوى اقتصاد عالمى فى العالم، وذلك بسبب اعتمادها على تعميم التعليم فى البلاد واتخاذ حزمة من القرارات الجريئة التى حفزت المستثمرين على الاستثمار، وتعد تجربتها من أصعب التجارب التى قادتها دولة للنهوض باقتصادها، فهل تتخذ مصر من روشتة النهوض الاقتصادى السنغافورية لتطبيقها فى البلاد؟
وتعد جمهورية سنغافورة جزيرة صغيرة بلا موارد طبيعية على الإطلاق وهى الأصغر مساحة فى جنوب شرق آسيا، ولسنغافورة موقع جغرافى فريد عند رأس شبه جزيرة الملايو، حيث تشرف على مضيق ملقا الواقع بين الملايو وسومطرة، ومن ثم أصبحت أهم الموانى التجارية فى جنوب شرق آسيا، لوقوعها على خطوط الملاحة بين حوض البحر الأبيض المتوسط وغرب أوروبا من جهة وبين الشرق الأقصى من جهة أخرى.
وتتألف سنغافورة من جزيرة وبعض الجزر الصغيرة الواقعة فى المضايق البحرية المجاورة لها، وتبلغ مساحتها 620 كم تقريبا، ومساحتها الصغيرة لا تتناسب مع عدد السكان الذى بلغ 2 مليون شخص بحسب تقدير عام 1988 م، ولهذا تشكل منطقة شديدة الازدحام، فالكثافة السكانية تزيد على أربعة آلاف نسمة فى كل كيلو متر مربع.
وقد حصلت سنغافورة على استقلالها فى التاسع من أغسطس عام 1965، وتحررت من الاحتلال البريطانى لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخها الحديث، بالرغم من ذلك كانت هناك عدة عوامل لنجاح سنغافورة أهمها تطبيق الحكومة لقواعد ولوائح صارمة مع ثقة الشعب فى بلاده وقيادته خلال تلك الفترة.
"لا أعتقد أن طريق الديمقراطية تؤدى إلى التنمية، بل أرى أن البلد يحتاج إلى النظام أكثر من حاجته إلى الديمقراطية"، عبارة أطلقها أول رئيس وزراء لسنغافورة ويمثل مؤسسة جمهورية سنغافورة الحديثة "لى كوان يو" الذى سعى منذ اللحظة الأولى لبناء دولة حديثة عمادها التعليم، وقد عرف عن "ليوم" بأنه صانع المعجزات فى سنغافورة، معلنا قياداته البلاد لمصاف الدول المتحضرة فى العالم الأول، وتحولت البلاد فى ظل قيادته لأنشط ميناء بحرى فى العالم، وثالث أكبر موقع لتكرير النفط ومركزا عالميا للصناعات التحويلية والخدمات ما دفع بارتفاع الدخل للفرد.
ولعل اللافت فى نهضة سنغافورة وتصنيفها من أفضل الاقتصاديات فى العالم هو الاعتماد فى الأساس على بناء الإنسان والاعتماد على القيم الحضارية والتاريخ والتقاليد ومن ثم الانطلاق إلى مقومات بناء الدولة الحديثة، ويشكل التعليم أحد أهم المرتكزات التى اعتمد عليها مؤسس سنغافورة الحديثة هى سياسة تعميم التعليم وتحديثه بأفضل المناهج فى العالم، حيث تتصدر سنغافورة الأولمبياد الدولى فى امتحانات المواد العلمية التى لم تستطع أى دولة العربية الدخول ضمن الـ30 دولة فى آخر النتائج المنشورة للتقييم الدولى للتقدمى التعليمى فى الرياضيات.
وحينما أدركت سنغافورة أهمية التعليم الذى يمثل حجر الزاوية الأساسى فى بناء النهضة الإنسانية التى قادتها البلاد، وهو ما دفع إلى تصنيفها كخامس أفضل اقتصاد فى العالم، حيث تعتبر سنغافورة خامس أغنى دولة فى العالم من حيث احتياطى الدولة من العملة الصعبة والذى وصل إلى ما يقرب من 170 مليار دولار.
ومن أبرز القرارات التى اتخذتها حكومة سنغافورة عقب الاستقلال هو إلغاء جميع الرسوم على الواردات لتتدفق التجارة بشكل حر ما مكن الدولة من استيراد المواد الخام بحرية، وهو الأمر الذى مكنها من التحول إلى مصاف الاقتصاديات العالمية، وبالرغم من افتقار البلاد للموارد الطبيعية أحد أبرز التحديات أمام البلاد فى ظل استيرادها الرمال لبناء المنازل، ويرجع الفضل الأكبر لنهضة سنغافورة الكبيرة هو التقدم والريادة فى مجال التقنية والتكنولوجيا، حيث قفز مستوى الاقتصاد فيها ما يقرب من 15%.
وقد عزز تخطيط المسئولين عن التعليم فى سنغافورة لوجود فرصة لنحو 40% من طلابهم فرصة كبيرة للخريجين لنيل فرصة مواصلة تعليمهم الجامعى، بينما يعملون على انخراط البقية فى مجال المعاهد التقنية والعلوم التطبيقية والتعليم الفنى.