بينما كان الرئيس أنور السادات يدخل إلى فراش النوم فى الساعة الرابعة صباح مثل هذا اليوم «5 أكتوبر 1973»، كان يتم إيقاظ وزير الدفاع الإسرائيلى موشى ديان من نومه للاجتماع بالجنرال «اليعازر» رئيس الأركان، ووفقاً لتقرير «أجرانات» الذى أعدته إسرائيل حول حرب أكتوبر 1973، ويعتمد محمد حسنين هيكل عليه فى كتابه «الطريق إلى رمضان»: «قرر ديان واليعازر أن يتوجها إلى منزل جولدا مائير، رئيسة الوزراء، وطلبا من الجنرال «زئيرا» نائب رئيس المخابرات أن يصحبهما»، وجاء هذا التحرك بعد أن تلقوا سيلا متزايدا عن تحركات القوات المصرية.
قدم الثلاثة صورة عن الموقف إلى «مائير»، وقال «اليعازر» إنه قد يضطر إلى وضع القوات المسلحة فى حالة تأهب قصوى، وقال، إنه سيحشد المدرعات على الجبهتين «المصرية والسورية»، ودعت «مائير» أعضاء وزارتها الكبار إلى اجتماع يعقد عند الظهر، وحضره بارليف وديان وحزانى وبيريز وجاليلى ورئيس الأركان ونائب مدير المخابرات الذى كان تقديره: «إننا لا نواجه حربا شاملة»، وأيده فى ذلك اليعازر، واتفقوا على عدم إصدار أمر بالتعبئة العامة. وفيما كان الوضع فى إسرائيل لا يتجه يوم 5 أكتوبر إلى الأخذ بأن مصر وسوريا ستبدآن حربهما بعد ساعات، ساد نفس المنطق لدى الإدارة الأمريكية وحكومات لندن وباريس، ووفقاً لـ«هيكل» فى «الطريق إلى رمضان»، كان الدكتور محمد حسن الزيات، وزير الخارجية فى نيويورك، على موعد مع وزراء الخارجية، الأمريكى كيسنجر، والبريطانى دوجلاس هيوم، والفرنسى جوبير، وفى اللقاءات اختلطت لغة الاستعلاء بالإهمال من الوزراء الثلاثة للمطالب العربية المشروعة فى مقابل انحياز واضح لإسرائيل.
قال كيسنجر، إنه لم يبدأ بعد فى قراءة «دوسيه» الشرق الأوسط، ويأمل فى إلقاء نظرة عليه قبل نهاية السنة، وتأسف جوبير لأن مصر مستمرة فى إثارة المشكلة نفسها فى الأمم المتحدة عاما بعد عام، ولا أمل فى التغيير ما لم يفعل المصريون أنفسهم شيئا، ولم ير «هيوم» أى عامل جديد فى الموقف، ونصح بالتفاوض مع الإسرائيليين بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية. يؤكد هيكل أن «الزيات» شعر بالانقباض فى أعقاب هذه المحادثات، ونسى أنه مدعو فى ذلك المساء «5 أكتوبر» إلى حضور حفلة فى بيت الدكتور عصمت عبدالمجيد، مندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة، أقامها تكريما له، وذهب بعد اتصال تليفونى يذكره بها، وفيها قال لـ«عبدالمجيد»: «لا أستطيع أن أعرف ما تحتفل به الليلة، إلا أن يكون عيد الغفران».
كان الوضع فى مصر اكتمل عسكريا وفى انتظار الحرب، وحسب هيكل: «فى المركز رقم 10 حدث بعد ظهر يوم الجمعة مشهد مؤثر بدأه الفريق أول أحمد إسماعيل، وزير الحربية، بحضور الرئيس السادات، فقد طلب من جميع الحاضرين أن يقسموا على القرآن الكريم: «نقسم بالله العظيم على هذا القرآن أن يبذل كل منا ما فى وسعه حتى النفس الأخير لننجز المهمة الملقاة على عاتقنا».
فى الصباح «5 أكتوبر» تحرك الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب الجيش، بنفسه لكى يتأكد من أن كل شىء يسير على ما يرام، ويذكر فى مذكراته «حرب أكتوبر» عن «دار رؤية - القاهرة»: «دخلت على اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث فى مركز قيادته فوجدته يراجع الكلمة التى سيلقيها على جنوده عند بدء القتال، فعرضها على وطلب رأيى فيها، قلت له: «إنها ممتازة ولكنى لا أتصور أن أحدا سيسمعها، إن هدير المدافع والرشاشات وتساقط القتلى والجرحى لن يسمح لأحد بأن يستمع أو ينصت لأحد فما بالنا بهذه الخطبة الطويلة»، يضيف الشاذلى: «لمعت فى ذهنى فكرة بعثها الله تعالى لتوها ولحظتها أن أفضل شىء يمكن أن يبعث الهمم فى النفوس هو نداء الله أكبر، لماذا لا نقوم بتوزيع مكبرات للصوت على طول الجبهة وننادى فيها «الله أكبر، الله أكبر سوف يردد الجنود بطريقة آلية هذا النداء وسوف تشتعل الجبهة كلها به؟، إن هذه هى أقصر خطبة وأقواها»، ووافق «واصل» على ما ذكره الشاذلى، لكنه أخبره بأنه ليس لديه العدد الكافى من مكبرات الصوت لتغطية مواجهة الجيش الثالث، فأمر الشاذلى بتوفير 50 للجيشين الثانى والثالث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة