بدأت معركة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مع الأكراد تتخذ بعدا إقليميا، بعد أن سمح للجيش التركى بانتهاك كل من الأراضى السورية والعراقية، وشن عمليات عسكرية على على حدوده مع البلدين دون موافقة حكوماتها. بذريعة محاربة الإرهاب ودحر تنظيم داعش، ما تسبب مؤخرا فى أزمة دبلوماسية مع العراق، لكن الأخطر من وجهة نظر تركيا ليست داعش بل إقامة دولة كردية، تضم أجزاء من شمال سوريا والعراق، حيث يرى أردوغان أنها سوف تهدد أمنه القومى، وتشجع أبناء الأقلية الكردية فى بلاده البالغ عددهم 14 مليون نسمة بالمطالبة بحكم ذاتى، بعد تعثر عملية السلام مع العمال الكردستانى، وتعمد أردوغان انتهاكه الهدنة الموقعة مع الأكراد.
الجيش التركى المتواجد على الحدود السورية أو داخل الأراضى السورية فى جرابلس ويشن عمليات درع الفرات التى بدأت أغسطس الماضى، وكذلك قوات الجيش البالغ عددها 1200 عنصر فى معسكر زليكان على مشارف الموصل، والمتوغله إلى عمق الأراضى العراقية، والتى وافق له البرلمان التركى على تمديد تواجدها عاما إضافيا دون موافقة العراق، وبدعوى محاربة الإرهاب ودحر تنظيم "داعش" المدعوم من نظامه، مستغلا بذلك وقوع الأزمة التى يعانى منها البلدين، وتمدد التنظيمات الإرهابية المسلحة على أراضيها، كل ذلك إنما يشير إلى الكابوس الذى يعيشه أردوغان من قيام دولة كردية على حدوده.
فى سوريا استغل الرئيس التركى الأزمات التى تواجهه وفوضى الجماعات المسلحة التى شارك فى إدخالها وتقديم الدعم اللوجيستى لها، لتنفيذ أجندته، وبذريعة القضاء على مسلحى داعش فى معقلهم الحدودى، ودحر تقدم المقاتليين الأكراد فى سورية، والتى تعتبرها تركيا تهديدا أكبر بسبب صلاتها بالمتمردين الأكراد فى الداخل، وبعدما شاهد تقدم عسكرى للقوات الكردية فى سوريا فى مواجهة تنظيم داعش، خشى من تعاظم نفوذهم وتمكنهم من قيام كيان مستقل على الحدود، وشن عمليات "درع الفرات"، التى كانت تهدف فى المقام الأول للقضاء على حلم الأكراد بحكم ذاتى على حدوده الجنوبية.
كما يتخذ النظام التركى من الهجمات الإرهابية التى تحدث فى الداخل التركى، ذريعة للقضاء المتمردين الإكراد، وتوجيه اتهامات للعمال الكردستانى الذى عاش صراعًا متأصلًا مع الدولة التركية، للتخلص من المعاملة القاسية التى عاملتهم بها السلطات التركية، ولدى الأكراد تاريخ من القتال داخل تركيا من أجل الحكم الذاتى، وهو ما أثار مخاوف لدى أردوغان من أن يعلن أكراد سوريا وكردستان العراق قيام كيان أو دولة كردية على الحدود التركية السورية، تهدد وحدة بلاده فأراد أن يقضى على الفكرة فى مهدها.
وفى العراق ضرب أردوغان بردود أفعال الحكومة العراقية الرافضة لتوغل قواته على أراضيهم عرض الحائط، والتى وصفها مجلس النواب العراقى بالمحتلة، ما تسبب فى أزمة دبلوماسية فيما بعد أدت إلى إلى استدعاء تركيا السفير العراقى، وردت بغداد باستدعاء سفير أنقرة، كذلك تصريحات أردوغان بشأن التكوين السكانى للموصل بعد تحريرها، والتى أشار فيها إلى أنه جب أن يبقى في الموصل بعد تحريريها أهاليها فقط من السنة العرب والسنة التركمان والسنة الأكراد، ما يفسر رعب تكوين الأكراد دولة على حدوده الجنوبية.
أردوغان ينتهج سياسة تصدير الأزمات إلى الخارج، ولا يدرك مدى خطورتها على وحدة أراضي الدول الإقليمية المجاورة له، وبعد محاولة الجيش للإطاحة به، يرى نظام أردوغان أنه أصبح يقود حرب وجود، بين جبهتين داخلية وخارجية، ففى الداخل يعانى من تمرد فى صفوف الجيش هدد بقائه فى الحكم واحتقان سياسى وقمع المعارضة، وفى الخارج يرى أن ما يهدد بلاده بالدرجة الأولى يكمن فى قيام كيان كردى على حدوده الجنوبية الشرقية ويسعى بشتى الطرق والوسائل لمنع ذلك.