الخطأ الكبير الذى يقع فيه الكثير من الآباء والأمهات، أو حتى الأصدقاء والأحباء، هو أنهم لا ينظرون إلى عيوب أبنائهم أو أصدقائهم أو أحبائهم، فيظلون فى نظرهم أجمل الأشخاص مهما بلغت عيوبهم وازدادت جسامتها، ويظنون أنهم بذلك يحبونهم، نظرًا لعمى عيونهم عن عيوبهم، ولكن فى الحقيقة أن هذا الحب هو حب غير حقيقى ؛ لأن من يحب إنسانًا لابد أن يضع يده على عيوبه، ويحاول تقويمها بشتى الطرق، حتى يُغير من يحبه ويضعه على الطريق الصحيح، أما من يحاول تغييب عقل من يحبه، وإقناعه بأنه دائمًا على صواب وأنه الأجمل على غير الحقيقية، فهو فى الواقع يضلله ويشتت فكره، ويتسيب فى انهيـاره عنـد اصطدامه بالحقيقـة، والواقع أن من أكثر الأمثـال السلبية فى حياتنا هى "القرد فى عين أمه غزال".
وأصـل هذا المثل يرجع إلى إحدى خرافـات "إيسوب"، مسابقة فى الجمال أقامها "جوبيتر" أحد آلهة الرومان، حيث جلس "جوبيتر" على كرسيه والحيوانـات الجميلة تمر أمامه واحدًا بعد الآخر، مختالة بجمالها، فمر الطاووس وابنه، ثم الزرافة وصغيرها، وهكذا توالى مرور الحيوانات الجميلة، وقبل نطق "جوبيتر" بالحكم وإعلان الفائز من الحيوانات بالجائزة، فُوجئ بقرد تجرى أمه مستعرضة ابنها، فانطلق جميع الحضور فى الضحك، وحاولوا إقناع القردة بالانسحاب من المسابقة، لكنها رفضت مصرة على أن ابنها أجمل الحيوانات، فقال جوبيتر ضاحكًا: "القرد فى عين أمه غزال".
ولكن هل نعتبر حب هذه الأم حبًا صحيحًا، فلا أظن ذلك، فدفعها بابنها فى مسابقة لا تليق به هو منتهى الدمار له، ولن يعود عليه إلا بالسلب، إما دعمها له فيما يميزه عن غيره، ودفعها له باستغلال ميزاته بشكل إيجابى، فهذا هو الحب الصحى الحقيقى، فليس الحب أن نُضلل أحباءنا عن حقيقتهـم، وإنمـا بإبراز مزاياهم لاستغلالها، وإظهار عيوبهم لمعالجتها، أما عكس ذلك فأظن أنه لا يُطلـق عليه سوى الحب السلبى.
داليا مجدى عبد الغنى