جميع الأعمال التى قدمها الراحل أسامة أنور عكاشة للدراما المصرية، هى حالة فريدة من نوعها، تستحق الوقوف عندها والدراسة والتأمل، فالكاتب الكبير رصد تاريخ الأمة المصرية فى أوقات مهمة، ورصد أيضًا أزمات اجتماعية مهمة عانى منها المجتمع المصرى ما بين الظلم والفساد وغياب القيم الاجتماعية المهمة.
من بين الأعمال "الخالدة" للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة "امرأة من زمن الحب" 1998 و"أميرة فى عابدين" 2002 واللذان لعبت بطولتهما الفنانة الكبيرة سميرة أحمد، التى تحتفل اليوم بذكرى ميلادها.
قدمت سميرة أحمد خلال مسيرتها الفنية الطويلة العديد من الأعمال السينمائية الخالدة، فحفرت اسمها بين كبار النجوم، ولعبت أدوار مختلفة ومتنوعة، وقفزت سريعا إلى مصاف النجوم، دون تأخر، كذلك قدمت أعمال كلاسيكية ستظل خالدة فى تاريخ السينما، منها صاحب الجلالة وقنديل أم هاشم وخان الخليلى والسيرك وعالم عيال عيال وأم العروسة، كذلك اشتركت مع إسماعيل ياسين فى عملين حملا اسمه وهما إسماعيل ياسين فى الجيش، وإسماعيل ياسين فى دمشق، وشاركت أيضًا فى ابن النيل وحديث المدينة والشيماء، وأكاذيب حواء.
ولكن على صعيد الدارما، أدركت جيدًا سميرة أحمد، كيف تختار أدوارها التى تتناسب مع عمرها وشخصيتها، بعدما توقفت عن الأعمال السينمائية، فقدمت السيدة "المثالية" بشكل نموذجى، ويدرس، ورغم أن مثل تلك الشخصيات النموذجية ليست موجودة بذلك الشكل على أرض الواقع، لكنها على مستوى الدراما مطلوبة جدًا، لما تحمله من مبادئ وقيم، نحتاج لترسيخها بين أبناء هذا الجيل.
"امرأة من زمن الحب" و"أميرة فى عابدين" ليسا كل ما قدمت سميرة أحمد للدراما، ولكنهما الأفضل من وجه نظرى، لأنها وجدت ما يتناسب مع قضايا هذا الوطن فى ورق أسامة أنور عكاشة، فالمسلسل الأول والذى أخرجه الراحل إسماعيل عبد الحافظ، قدمت فيه سميرة أحمد شخصية المرأة الصعيدية القوية التى هاجر ابنها وتوفى زوجها وتدير صيدلية زوجها، حتى يطلب منها شقيقها الذى يعيش فى القاهرة أن تنتقل معه إلى القاهرة لترعى أبناءه الأربعة حتى يعود من عمله خارج مصر والذى سيستمر طويلا، فتوافق بعد تردد طويل، وتذهب للقاهرة ومعها شقيقة زوجها العانس، لتصطدم بالواقع المرير، وطريقة تربية 4 شباب فى سن المراهقة و"منفلتين" أخلاقيا، وتفضيلهم خالتهم على عمتهم الوافدة الجديدة، صاحبة المبادئ الصعيدية و"الدماغ الناشفة" ليبدأ المسلسل فى رصد الصراع بين الأجيال بشكل واقعى، وعرض المبادئ التى تتمسك بها "وفية"، لتكتشف أنها كانت منعزلة عن العالم بتلك المبادئ، وتبدأ فى خوض المعركة مع أبناء شقيقها حتى تروضهم، ولكنها لم تنس نفسها كامرأة.
أما "أميرة فى عابدين" فهو نوع آخر من المسلسلات، ولكن سميرة قدمت أيضا شخصية شديدة المثالية وخصوصا فى النص الثانى من المسلسل، حيث إنها متزوجة من رجل ثرى، ومعها ولد وبنت من زوجها الأول بطل الحرب، ولكن بعد وفاته تضطر إلى الزواج ومعها ابنيها، لتعيش حياة رغدة، حتى تفاجئ بهروب زوجها وزوج ابنتها للخارج، بعد عملية فساد كبيرة فى شركته، وتورطها وتورط ابنها فى تلك القضية، فيتم الحجز على ممتلكاتها، فتتذكر شقتها التى تزوجت فيها فى حى عابدين، فتنتقل إليه مع ابنتها حنان ترك، ومن هنا تبدأ أحداث المسلسل الحقيقية، بين إمرأة تحاول استعادة ذكرياتها، وابنة مرفهه، تعود لحى لا تعرفه، ولا تعرف به أحد، لنرى مصر فى تلك الفترة من خلال حى عابدين، ليرسم لنا أسامة أنور عكاشة بقلمه شخصيات من "لحم ودم" فى ذلك المسلسل، وصراعات اجتماعية حقيقة من قلب المجتمع، لتنصهر "أميرة" فى ذلك الحى بمشكلاته وشخصياته، وتنصهر كذلك ابنتها، وتحب من هذا الحى، ويعود ابنها ويحب أيضًا، وحينما تعود أملاكهم، يرفضون العودة لفيلتهم بالحى الراقى، ويفضلون حى عابدين بشقته البسيطة.