أودعت محكمة جنح مستأنف السيدة زينب، برئاسة المستشار حسين جهاد، وعضوية المستشارين محمود شعبان، وعصام عمار، والمنعقدة بمجمع محاكم جنوب القاهرة، حيثيات حكمها القاضى بمعاقبة فاطمة ناعوت بالحبس ٦ أشهر مع إيقاف التنفيذ عن تهمة ازدراء الدين الإسلامى.
وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها إنه بعد الاطلاع على أوراق وقائع الدعوى والتى دُون بها المتهمة فاطمة ناعوت قد دونت عبارات تحتوى مجملها ازدراء للدين الإسلامى فهى حقرت من سنة مؤكدة وهى شعيرة الأضحية معتبرة إياها شهوة دموية كشهوة القتل عند بعض المجرمين، بل إنها استنكرت حدوثها من الأساس، كما أنها تقولت على الله كذبا من خلال إنكارها أن ما وقع لنبى الله إبراهيم من رؤيا صالحة بتوصيفها أنه "كابوس" وقالت إن الأضحية تعتبر شهوة نحر وسلخ.
وأكدت المحكمة أن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى الدستور إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل فى أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه . فإذا ما تبين أنه إنما كان يبتغى بالجدل الذى أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه فليس له أن يحتمى من ذلك بحرية الاعتقاد، وذكرت المحكمة أن جريمة استغلال الدين فى الترويج لأفكار متطرفة المنصوص عليها فى المادة (98 و) من قانون العقوبات تتطلب لتوافرها ركنا ماديا هو الترويج أو التحبيذ بأية وسيلة لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين وآخر معنويا بأن تتجه إرادة الجانى لا إلى مباشرة النشاط الإجرامى وهو الترويج أو التحبيذ فحسب، وإنما يجب أن تتوافر لديه أيضا إرادة تحقيق واقعة غير مشروعة وهى إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية.
واستندت المحكمة فى أسباب حكمها على العبارات التى نسب فيها للمتهمة طعنا وازدراء لإحدى شعائر الدين الإسلامى "شعيرة الأضحية" إنما جاءت فى سياق التدوينة فلا يجوز انتزاعها من موضعها والنظر إليها منفصلة وإنما الواجب النظر إليها فى مجمل السياق بتقديرها بشكل سليم وبذلك يمكن الوقوف على قصد المتهمة منها وتقدير مسئوليتها تقديرا صحيحا، ولما كانت المتهمة قد أقرت بتسطير التدوينة محل الاتهام وأنها تقدمت ببيان عما بدر منها لتبرر ما كتبته، إلا أن ما جاء بالتدوينة وما تلاه من بيان يحملا بين طياتهما التأكيد على أفكارها المتطرفة والإصرار عليها، وبدا ذلك واضحاً بأن المتهمة قد تناولت سنة الأضحية بشىء من الاستخفاف، وفى أحيان أخرى بنوع من التعالى لإبراز فكرتها بأنها شخصياً لا تطيق قتل أى كائن.
كما استندت المحكمة فى أسبابها على أن المتهمة كاتبة صحفية وشاعرة، تمتلك ناصية الكلام وبلاغته، وجب عليها أن تتحسب وتتحسس مواضع ألفاظها أكثر، حين يتعلق الأمر بإحدى الشعائر الدينية، وذلك ليس منعاً لها من التعرض لمثل هذا الأمر، أو الحجر على إبداء كامل رأيها بحرية فى أى شأن من شئون دينها، فالدين الإسلامى ليس حكراً على أحد، ولا على طائفة محددة، إنما وجب على أى إنسان يتعرض لشىء من الشريعة الإسلامية، أن يتناولها بشىء من الجدية، وبألفاظ واضحة منتظمة لا لبس فيها، ولا يُضمنها إلى ممازحة أو أى شىء من هذا القبيل احتراماً لجلال قدسيَته، فقد وصفت المتهمة ذبح الأضاحى، بأكبر مذبحة يرتكبها الإنسان، وفى تلك اللفظة وما جاء فى سياقها ما يوحى بتجبر الإنسان وظلمه وتخليه عن الرحمة فى مواجهة كائنات أدنى منه وذلك بقتلها، وأن ذلك يحدث سنوياً بسبب كابوس باغت أحد الصالحين فهنا شبهت رؤيا نبى الله إبراهيم عليه السلام بالكابوس مما يدل على أن ذبح الأضحية هى عادة يباشرها المسلمون بسبب كابوس وهو عندما يذكر فى سياق التدوينة فالمعنى المقصود منه أنه أمر سوء فكيف يثنى الله على سيدنا إبراهيم عليه السلام فى تصديقها عندما قال تعالى " وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا " فهى رؤيا من الله عز وجل اختص بها نبى الله إبراهيم ليبتليه ويختبره وهنا صورتها المتهمة بالكابوس، ثم أعقبتها بعبارات تؤكد ذلك المعنى " كون تلك المخلوقات برئية لا ذنب لها"، أى أن الإنسان يظلمها ويعذبها بذبحها.
واستندت المحكمة فى أسباب حكمها أن المتهمة استرسلت بأن المضحى يهدر دماؤها دون جريرة، إرضاءً لشهوته فى النحر والسلخ أى أن المسلمين فى اتباعهم لملة أبيهم إبراهيم عليه السلام مروراً بسيد الخلق سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – إنما ينحرون الأضاحى إرضاءً لشهوتهم فى النحر والسلخ، مؤكدة على ذات المعانى وتسير فى نفس السياق، واصفة مدى تجبر الإنسان ودمويته وجعلت مجرد رؤية الدماء وقتل الأنعام هو هدف للإنسان المضحى يسعى إليه، وواصلت تهكمها لقرائها، بألفاظ مضمونها "هيا أيها الشجعان المقدامين الذين لا يزعجكم مشاهدة الدماء تابعوا ذبح تلك الكائنات الضعيفة، ولا تنتظرونى على مقاصلكم " وهنا تأكيد على ذات المعنى من تجبر الإنسان وكأنه يقوم بإعدام أضحيته كما يُعدم القتلة والمجرمين على المقصلة واختتمت ذلك بقولها أنها لن تشاركهم ذلك وستكتفى بصحن من السلاطة وقد اختلطت ولامست تلك المعانى والألفاظ والمداعبة، شعائر استقرت فى صميم صحيح شريعة الدين الإسلامى كما سلف بيانه، متغافلة أن ذبح الأضحية مقصود به شكر الله تعالى على نعمة الحياة، كما شكر نبى الله إبراهيم ربه بذبح الكبش العظيم لبقاء حياة ابنه إسماعيل، وأنها من السنة المؤكدة فى الدين الإسلامى بل هى فى الأساس للتعبد بإراقة الدم وإطعام الفقراء باللحم الذى حرموه أكثر أيام العام .
واستخلصت المحكمة ان ما ذهبت إليه المتهمة من عدم إتيانها اللحوم صوناً منها لحقوق الحيوان منعاً لتألمها حال ذبحها، فهذه قناعتها الشخصية لا راد لها أو معقب على ذلك، ولكن عليها أن تحترم حقوق الآخر المخالف لها، ولا تتعرض له بالغمز تارة وباللمز تارة أخرى، خاصة وإن تعلق الأمر بسنة نبوية مؤكدة، قررت هى ذاتها أن تؤمن بها وتحترمها.
وشبهت المحكمة المتهمة مثل اللذين نزلت فيهم الآية الكريم قال تعالى " وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ" فكان لزاماً عليها ألا تنشر تلك الأفكار التى من شأنها إحتقار تلك الشعيرة والدعوة إلى ذلك بالترويج لها بالكتابة عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى، فالمتهمة بذلك قد أباحت لنفسها أن تخلط بين الدين والرأى الشخصى فالأخير قابل للتغيير والنقض والشك والإنكار أما الدين فهو مقدس معصوم من إنكار المنكرين وطعن الطاعنين .
وأكدت المحكمة فى أسباب حكمها أنه استقر فى يقينها توافر الركن المادى للجريمة من خلال أن تلك التدوينة قد شابها من خلط بين ما هو جاد مع ما هو هزلى، وغلب الهزل على الجاد وأنصب على شعيرة الأضحية، السنة المؤكدة فى الدين الإسلامى، وقد أدى ذلك الخلط أن قدمت المتهمة لقارئيها شعيرة الأضحية بصورةٍ شاذة متطرفة تحت ستار مضلل من الدين.
وأبدت المحكمة مدى اطمئنان يقينها من توافر القصد الجنائى للجريمة بشقيه العام والخاص من خلال علم المتهمة بمقاصد العبارات التى ساقتها فى تدوينتها محل المحاكمة لكونها تمتلك ناصية الكلام وبلاغته بحكم مهنتها كأديبة وشاعرة وكاتبة صحفية مما يمكنها من الوقوف على مقاصد العبارات ودلالاتها اللفظية فى سياق التدوينة فضلاً عن رفضها فكرة القتل عموماً للإنسان والحيوان والنبات ودعماً لهذا الفكر سعت بما إقترفته من جرم إلى تحقيق هدف غير مشروع ألا وهو حث الجمهور من قارئ التدوينة على بغض شعيرة الأضحية والانصراف عن القيام بها، وقد اختارت لتحقيق هذا الهدف الوقت المناسب قبيل عيد الأضحى المبارك والذى يقوم فيه القادر من المسلمين بنحر الأضحية شكراً لله تعالى، كما استخدمت الوسيلة المناسبة التى من خلالها تستطيع نشر تلك الأفكار المتطرفة والوصول بها إلى قطاعٍ عريضٍ من جمهور مواقع التواصل الاجتماعى.
واستخلصت المحكمة فى نهاية أسبابها أن الجرم المسند إلى المتهمة ثابتاً فى حقها مستوجبا إدانتها وقد سلكت محكمة أول درجة هذا السبيل فى القضاء بمعاقبتها عما ارتكبته من جرم، إلا أن المشرع قد خول للمحكمة الاستئنافية سلطة تقديرية تمنحها الحق فى تعديل العقوبة الملقاة على المتهمة فى حالة استئنافها على الحكم واستنادا إلى ذلك وهديا به فإن المحكمة قد رأت ضرورة الإبصار قبل المتهمة بعين من الرأفة والرحمة والنزول بالعقوبة المعارض فيها استئنافياً إلى الحد الذى يتناسب مع ما اقترفته من جرم مما يتعين معه على المحكمة والحال كذلك القضاء بتعديل الحكم المعارض فيه استئنافياً والاكتفاء بحبس المتهمة ستة أشهر مع الشغل عملاً بنص المادة 98 (و) من قانون العقوبات والمادة 304/2 من قانون الإجراءات الجنائية .
وعن حكم إيقاف التنفيذ أكدت المحكمة أنها نظرت بعين الرأفة والرحمة للمتهمة مستندة على نص المادتين 55، 56 من قانون العقوبات إذ إن المشرع قد خول للمحكمة فى هذين النصين بأنه عند إصدارها الحكم فى جنحة بغرامة أو حبس مدة لا تزيد عن سنة أن تأمر فى نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة وقد منحها سبيلاً إلى ذلك بإعطائها سلطة تقديرية فى إبداء أسباب إيقاف التنفيذ إذا ما رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التى ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون، ومن خلال بسط تلك النصوص القانونيه على وقائع الدعوى انبعث فى يقين وعقيدة المحكمة قبس من نور داع إلى الاعتقاد بعدم معاودة المتهمة لارتكاب مثل ذلك تارةً أخرى وذلك وفقاً لما أحاطت به عن بصرٍ وبصيرة من ظروف وملابسات تلك الدعوى إذ أنه يبين للمحكمة فى أخلاق المحكوم عليها وماضيها ما يبعث على الاعتقاد بأنها لن تعود إلى ذلك مستقبلاً وذلك أخذاً بما جاء بأقوالها بالتحقيقات والبيان الصادر منها أنها تدين بالدين الإسلامى وتحترمه وتجله، وهو السبب الذى طمئن يقين المحكمة بالقضاء بوقف تنفيذ العقوبة .