أعرب عدد من المثقفين والكتاب عن استيائهم من تصريحات بعض أعضاء مجلس النواب واتهامهم لبعض الأعمال الأدبية لنجيب محفوظ بخدش الحياء، وذلك خلال اجتماع لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالنواب، واستقرت اللجنة على رفض مشروع قانون العقوبات بإلغاء عقوبة الحبس فى جرائم النشر الخاصة بخدش الحياء، وجاء التصويت برفض 21 وموافقة ستة أعضاء.
وقال الناقد الدكتور حسين حمودة، إن مثل هذه القراءات لأعمال نجيب محفوظ الأدبية، ولأعمال غيره من الكتاب، لا تقرأ عملا أدبيا كما يجب أن يُقرأ العمل الأدبى، وأنها تنتزع هذه الشخصية أو تلك، أو هذه العبارات أو تلك، من سياقها الكامل، ولا ترى فى العمل الأدبى شيئا آخر غيرها، على طريقة "لا تقربوا الصلاة".
وأضاف الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة، فى تصريحات خاصة لــ"اليوم السابع"، أن نجيب محفوظ فى هذه الأعمال لم يخترع شخصيات تعانى سقوطًا لأسباب متعددة، ولم يبتكر من عنده عبارات غير مهذبة، أو عبارات خادشة للحياء، وإنما كان يعبر عن مجتمع تعيش فيه هذه الشخصيات بالفعل، وتتلفظ بعض شخصياته بمثل هذه العبارات، هو كان أمينًا فى تعبيره عن المجتمع الذى عاش فيه، والأهم من ذلك أنه طرح هذه السلبيات من منظور يسعى إلى تجاوزها وتخطيها، لكن يبدو أن هذا المعنى لا يصل إلى أى قراءة سطحية لأعمال نجيب محفوظ.
وأكد أن "محفوظ" وغيره من الآدباء لا يكتبون عن ملائكة، وإنما يكتبون عن بشر يعيشون على هذه الأرض، بكل ما فوق هذه الأرض من ملامح ليست فردوسًا على أى حال، موضحًا أن قانون خدش الحياء يجب أن يعاد النظر فيه خصوصًا عندما يتم تطبيقه على أعمال أدبية، إذ يجب قراءة هذه الأعمال بقوانينها الخاصة بها، فلا يصح محاكمة مبدع روائي بسبب عبارة تأتى على لسان شخصية من شخصياته، كما يجب أن نقرأ كل تفصيلة من تفاصيل العمل الروائى باعتبارها جزءًا من سياق أكبر، وهو سياق العمل الإبداعى بأكلمه.
من جانبه، قال الشاعر إبراهيم داود، إن تصريحات نائب البرلمان حول تجريم الأعمال الأدبية لنجيب محفوظ، لا تقل خطورة عن محاولة اغتياله من قبل متطرف، مضيفًا أن مناخ البرلمان يسيطر عليه ويديره تيار الإسلام السياسى، وبالتالى مصر تكون الخاسرة فى النهاية.
وأضاف "داود"، أن مثل هؤلاء الأعضاء هم من يقررون مصير مصر، وبالتالى كيف نأمن على حرية الإبداع فى مصر، مؤكدًا أن هناك فرقًا كبيرًا بين الأدب والإيحاءات الجنسية الفجة، وأن حصوله على جائزة نوبل فى الأدب تعظم من موقفه وشأنه.
من جانبه، قال الدكتور علاء عبد الهادى، رئيس اتحاد الكتاب، إن الاتهامات التى تطال الأعمال الأدبية لنجيب محفوظ هو رأى مشين، ومن العيب أن يصدر عن عضو برلمانى أقسم على أحد مواده وهى "65" والتى تنص على حرية الرأى مكفولة لكل إنسان، وله الحق فى القول والكتابة.
وأضاف "عبد الهادى"، أنه من الضرورى لأعضاء مجلس النواب أن يكونوا على معرفة كاملة بكل مواد الدستور حتى لا يقعوا فى الأخطاء، لافتًا إلى أن المجتمع هو الرقيب الوحيد على الإنتاج الثقافى، وأن عمر الحضارة المصرية تزيد على 7 آلاف سنة، وبالتالى لا تحتاج من أحد أى شكل من أشكال الوصايا على إنتاجها الفكرى والثقافى.
وأكد رئيس اتحاد الكتاب أنه لا نقبل أن تتحول أى مؤسسة دينية فى الدولة إلى جهة رقابية، مضيفًا أن ما يحكم عالم الخيال يختلف عما يحكم عالم الواقع، بل إن ما تمنعه الرقابة الآن شىء تافه، ويستطيع أى مواطن الإطلاع عليه بضغطة زر على الحاسوب أو الموبايل.
بينما قال الشاعر الكبير عبد المنعم رمضان، إن الكاتب الكبير الراحل نجيب محفوظ، ليس منزهًا عن النقد، بل ويجب أن ننقده مثلما ننقد كل شىء، ولكن من يتصدى لأديب نوبل نجيب محفوظ لابد أن يخضع نفسه لشروط.
فيما قال الشاعر والباحث الكبير شعبان يوسف، إن اتهام الروائى العالمى نجيب محفوظ بخدش الحياء داخل البرلمان هو بمثابة استكمال لما كان من سائداً من فكر جامد فى السابق.
وأضاف يوسف، أن هذه الواقعة ليست المرة الأولى التى يتم اتهام نجيب محفوظ وكتاباته، فلقد تعرض لمثل هذه الاتهامات سواء من الإسلاميين أو الجماعات المتطرفة.
وطالب "يوسف"، الدولة بأن تتخلى عن مثل هذه الآراء الجامدة وتعاود التفكير بشكل مستنير تجاه الأدب والإبداع، مشيرًا إلى أنه هذه الأفكار ووجه النظر تجاه الأدب والفن والإبداع ما زالت على حالها القديم الجامد.
بدورها، قالت الكاتبة سلوى بكر، إننا فى حاجة إلى تغيير عقلية المجتمع حتى تسهل عملية تغيير القوانين المكبلة للحريات والإبداع، مضيفة أن التفكير الذى يسيطر على المشهد الآن هى بدائي، ومن الصعب التحاور والتفاهم أو التواصل معها.
وأضافت "بكر" فى تصريحها لـــ"اليوم السابع" أن المجتمع لا يتفق حول جريمة خدش الحياء حتى الآن، ولا توجد آلية تحدد أشكالها والعقوبات التى تقع عليها، لافتة إلى أن الذى يجرم بعض الأعمال الادبية لنجيب محفوظ لا يستحق الرد.