"كانت تلك السنوات التى حدثتكم عنها، حيث كنت أتعقب الصور الداخلية، أهم وقت فى حياتى، يمكن اشتقاق كل شىء منها. بدأ الأمر فى ذلك الوقت، ولم تعد التفاصيل اللاحقة تهمّ كثيراً، تتألف حياتى كلها من إسهاب ما، انفجر من اللاوعى، وغمرنى كجدول غامض، وهدد بتحطيمى، كانت تلك المواد تكفى لأكثر من عمر واحد، كل ما حدث لاحقاً، كان مجرد تصنيف خارجى وإسهاب علمى، ودمج بها فى الحياة، لكن البداية الخارقة للطبيعة التى احتوت كل شي، كانت حينها"، هكذا كتب مؤسس علم النفس التحليلى كارل جوستاف يونج، فى كتابه "الكتاب الأحمر".
والعام الذى قصده يونج فى مقدمته هو عام 1913، الذى كان محورياً فى حياته، بدأ اختباراته على نفسه، بما أصبح معروفا بـ"مواجهاته مع اللاوعى" ودام ذلك حتى عام 1930.
كان " يونج" يكتب كل ما يراه ويسمعه فى كتاب له جلد أحمر لذلك أطلق عليه فما بعد أسم "الكتاب الأحمر"، كتابة هذا الكتاب امتدت لستة عشر سنة عاشها يونج بعزلة، اعتبر يونج أن هذه الفترة كانت فترة خاصة وثمينة فى حياته وأثرت فى طريقة تفكيره، وبعد وفاة يونج احتفظت عائلته بهذا الكتاب فى أحد المصارف السويسرية, وظل الكتاب محجوبًا عن الباحثين والقراء حتى وافقت أسرته على أصداره فى عام 2009، وتم إصدر الكتاب نهاية ذلك العام باللغتين الألمانية والإنجليزية، واستقطب الآلاف لشرائه، ويعتبر الكتاب بمثابة سيرة ذاتية روحية ليونج، ووضع فيه يونج مالم يدونه فى مؤلفاته العلمية المنشورة.
و"الكتاب الأحمر" بمثابة سيرة ذاتية روحية ليونج، ووضع فيه مالم يدونه فى مؤلفاته العلمية المنشورة، حتى أن مترجما الكتاب "متيم الضايع ورنا بشور" قالا عنه "إنه ليس كتابا عاديًا يشبه بقية الكتب الأدبية أو النفسية، كما أنه لا يشبه أيا من كتب يونج نفسها، إنه عمل فى علم النفس ضمن إطار أدبى"، وربما يتفق ذلك مع "ألريتش هورنى" ممثلة مؤسسة أعمال كارل جوستاف يونج حيث تقول عنه "أنه موجه بشكل خاص لمن يحبون العمق بالتوثيق الأدبى".
ويقسم الكتاب إلى ثلاث كتب كل كتاب لعدة فصول فيظهر فى الكتاب الأول "الطريق لما هو أت" وصف للروح، بالإشارة إلى روح الزمن وروح الأعماق، وقد تمت ذكرها بصيغة المذكر فى حين والمؤنث فى حين آخر، وذلك بحسب توضيح "يونج"، لأن الروح تحتوى نفس الخصائص التى يفتقدها الموقف الواعى للمرء، والذى نعبر عنه بـ"الأنيما والأنيموس" أى –"القرين والقرينة"، وذلك وبحسب وصف "تونغ" فإن للرجل روحا مؤنثة "قرينة الرجل"،وللمرأة روحًا مذكرة هى "قرين المرأة"، وبما أن يونج يتحدث عن روحه الخاصة، فتمت مخاطبة "الروح بضيغة المؤنث".
ويمكن اعتبار كل ما كتبه يونج فى هذا الكتاب حول العمق الروحاني، كوثيقة أصيلة لباحث ومفكر وأديب جريء الخيالات، لكل ما يمكن أن يتخيله الانسان المفكر والمثقف فلسفيا وميثولوجيا ولاهوتيا ونفسيا، حتى أن يونغ يقول: "لقد اقتربت اشياء عجيبة أكثر، استدعيت روحى وطلبتُ منها الغوص فى الفيضانات التى كنتُ أستطيع سماع زمجرتها البعيدة، اندفعتُ إلى الظلمة كالسهم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة