على مدى عقود من الزمن ظل المصحف محتفظًا بشكله التقليدى دون إجراء أى تعديلات فيما يخص مظهره الخارجى إلى أن جاءت المصاحف الملونة بألونها الزاهية "الأحمر والأزرق والفوسفورى، والموف" والمعروفة بالمصحف اللبنانى، والتى أثارت اعتراض مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر، الذى قرر مصادرتها وعدم بيعها فى الأسواق.
لم يمنع القرار السابق المصاحف الملونة من الانتشار، حيث تم تداولها وبيعها داخل العديد من المكتبات المنتشرة فى محيط عدد من المساجد الكبرى بالقاهرة.
وفى أحد المكتبات الشهيرة ببيع المصاحف والكتب الإسلامية بمنطقة العتبة وقف "ي ، ا" مالك المكتبة بجوار طاولة خشبية تحمل العشرات من المصاحف الملونة، يحاول صاحب المكتبة إخفاء بعضًا من ملامحها بورق الجرائد والصحف، خوفًا من الملاحقات الأمنية المتكررة على المنطقة.
ويقول مالك المكتبة التى ورثها عن والده -نحتفظ بذكر اسمه -" نعمل فى بيع المصاحف والكتب الإسلامية منذ عدة سنوات، ومع انخفاض مبيعات الكتب الدينية خلال الفترة الأخيرة، اتجهت العديد من المكتبات إلى بيع المصاحف الملونه التى ساهمت فى إنعاش حركة البيع من جديد بزيادة الأقبال عليها من الشباب الذين أخذوها وسيلة للتهادى فيما بينهم".
أسعار المصاحف الملونة تبدأ من 30 إلى 50 جنيهًا وتتجاوز نحو 160 جنيهًا، وذلك بحسب حجمها وهو ما يشرحه البائع بقوله "المصاحف لها أسعار مختلفة بحسب حجمها، لكن بعض المكتبات تلجأ إلى تخفيضات فى حالة بيع كميات كبيرة منها".
لم يخفى الشاب الثلاثينى غضبه من الملاحقات الأمنية وتحديدًا شرطة المصنفات التى تشن حملات دورية لمصادرة تلك المصاحف تنفيذًا للتعليمات الصادرة عن الأزهر، وتحرير محاضر ضد البائعين، وهو ما يعبر عنه بقوله "أنا عارض عدد قليل من المصاحف، علشان المباحث بتهجم على المكتبات وبتصادرها، بالرغم أن فلوسها لسه ما دفعتش لتجار الجملة، وتقوم بتحرير محاضر للبائعين يعنى مصادرة وغرامة"، مضيفًا "عندنا بيوت مفتوحة وبيع الكتب والمصاحف يعتبر مصدر رزقنا الوحيد، وما صدقنا انه يشتغل بعد شهور من الكساد".
وعلى بعد خطوات منه كان هناك "م،ك" والذى يعمل فى تجارة الكتب القديمة والمصاحف الملونة، والتى لا يقوم بعرضها بين الكتب ويحتفظ بها داخل مخزنه الذى يقع فى أحد المنازل القريبة من المكتبة وبسؤاله عن سبب عدم عرضها قال "اشعة الشمس تفسد ألوان المصاحف لذلك نحتفظ بها بعيدًا".
لم تقتصر تجارة المصاحف الملونة التى تتم بعيدًا عن الرقابة على المكتبات فقط، وإنما امتدت لتصل إلى مواقع التواصل الاجتماعى، حيث انتشرت العديد من الصفحات التى تقوم بعرض تلك المصاحف معلنة عن بيعها بمبلغ 50 جنيهًا للنسخة الواحدة مؤكدة حصولها على موافقة الأزهر بعد مراجعتها من قبل اللجنة المشكلة من مجمع البحوث الإسلامية.
الدكتور محيى الدين عفيفى الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، يوضح الحكمة من قرار مجمع البحوث الإسلامية بمنع تداول نسخ المصاحف الملونة، قائلًا" يرجع لعدة أسباب أولها أنها تتنافى مع قدسية كتاب الله، فيجب الحفاظ على شكل المصحف المتعارف عليه منذ عقود بجانب أن الألوان الصارخة التى يتم استخدمها فى الطباعة تشتت ذهن القارئ وتجعله منصرفًا عن التدبر والخشوع اللازمين فى القراءة، كما أنه لوحظ أن اقتناء تلك النسخ لا يكون بغرض العبادة وإنما يتم تداولها فى الغالب بغرض التهادى بها.
وكشف "عفيفى" فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن "مجمع البحوث لم يصدر موافقته على طباعة تلك النسخ لإنها مخالفة بالأساس، فموافقة مجمع البحوث على الطباعة مرهونة باستخدام الورق الأبيض فقط وعدد النسخ والمدة الزمنية، وفى حالة مخالفة هذه الشروط يتم إلغاء ترخيص الطباعة للمطبعة التى حصلت عليه".
وشدد "عفيفى" على ضرورة مضاعفة الجهد من الجهات الرقابية فى تعقب النسخ وأماكن بيعها، حفاظًا على كتاب الله من العبث به، مؤكدًا أن بعض هذه النسخ تحتوى على أخطاء مطبعية ولم يتم مراجعتها من قبل الأزهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة