«هذا أول عمل، وانتظرونا فى عدة أماكن، ومن أرض سيناء»، هكذا ترك أبطال عملية «وضح النهار» تحذيرهم المكتوب باللغة العبرية لإسرائيل، بعد أن نجحوا فى تنفيذ عمليتهم البطولية ضد القوات الإسرائيلية الموجودة على بعد ثمانية كيلومترات شمال السويس.
تمت العملية فى مثل هذا اليوم «5 نوفمبر 1969»، واستغرقت 9 دقائق، وحصيلتها تدمير سيارتين مدرعتين ودبابة، وقتل ثمانية جنود إسرائيليين، وأسر جندى عملاق الجسم. والقصة من بطولات حرب الاستنزاف، ويرويها أحد أبطالها، عبدالمنعم قناوى، للكاتب الصحفى محمد الشافعى فى كتاب «شموس فى سماء الوطن - أبطال المقاومة الشعبية فى مدن القناة» عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»، و«قناوى» مواليد السويس يوم 21 فبراير 1945، ولسنوات طويلة كان بطل المدينة فى الدراجات والرماية، وبعد نكسة 5 يونيو 1967، «أصبح شأنه شأن كل مواطن فى السويس محاربًا من نوع خاص» بتعبير «الشافعى».
بدأ «قناوى» العمل الفدائى مع زملائه فى أوائل 1968، لكنه وحسب روايته، كان يبحث عن دور أكبر، ولم يجده فى السويس، ذهب مع زملائه إلى مكتبة منظمة فتح الفلسطينية فى شارع عبدالحميد سعيد بالقاهرة، وطلبوا من المسؤولين فيها الانضمام للمقاومة الفلسطينية، فقدم المسؤولون الشكر لهم، وأعطوهم أعلامًا فلسطينية واعتذروا، وحسب «قناوى»: «عندما علم المسؤولون بما أقدمنا عليه فكروا فى القيام بنفس العمل فى سيناء، وذلك بالتعاون مع الأفراد الذين يعرفونها جيدًا، وقام مكتب مخابرات جنوب القناة فى السويس باختيار بعض شباب السويس لتكوين «منظمة سيناء العربية»، وبدأت بعبدالمنعم خليل، غريب محمد غريب، محمود عواد، مصطفى أبوهاشم».
دربت المخابرات عناصر المنظمة على الأسلحة البرية والبحرية والجوية، لتبدأ بعدها فى تنفيذ عملياتها، ويقول «قناوى»: «كنا نعبر القناة ليلًا لنزرع الألغام فى الطرق «المدقات» التى يستخدمها العدو، وكانت منطقة عملياتنا تقع جنوب البحيرات وبورتوفيق، ثم امتدت جنوبًا حتى شرم الشيخ - رأس محمد، وبعد نجاحنا طلب قائدنا الرائد حسين دراز أن نقوم بعمل كبير يلفت الأنظار ويحدث دويًا، وذلك بمهاجمة دورية للعدو فى وضح النهار، وحدد لنا منطقة على بعد 8 كم شمال السويس، تمر دورية للعدو كل يوم منها إلى بورتوفيق، تضم عربيتَى نصف جنزير ودبابة لتوزيع جنود الخدمة على شط القناة».
طلب الرائد حسين دراز من قائد الجيش أن تتعاون المدفعية فى العملية بتغطية أبطالها أثناء الانسحاب، ولكن تعذر ذلك، وحسب «قناوى»: «بدأنا عملية استطلاع المكان بواقع اثنين منا فى كل ليلة، إلى أن جاء الدور على الشهيد مصطفى أبوهاشم، ومحمود عواد، فاستأذنا من قائد السرية التى تتم المراقبة من عنده العبور سرًا بالسباحة إلى البر الشرقى، وبالفعل عبرنا وعاينا المكان على الطبيعة، وقبل التنفيذ بيوم سألنا القائد عن استعدادنا، وفوجئ عندما علم أن مصطفى ومحمود عبرا إلى البر الشرقى».
يشرح «قناوى» تفاصيل الخطة التى توزعت إلى مجموعة اقتحام أولى، ومجموعة اقتحام ثانية، ومجموعة قطع طريق يمين، ومجموعة قطع طريق شمال، ومجموعة للمراقبة، ومجموعة مهندسين بعد أن أصبح العدو يستخدم إمكانيات الحرب الإلكترونية.
عبر الجميع ليلًا، وانتظروا الدورية الإسرائيلية التى تمر فى الصباح بعد أن وضعوا عبوة متفجرة فى وسط الطريق الذى ستمر عليه «سيارتان ودبابة وأمامهما جنديان»، ويتقدمها ثلاثة من سلاح المهندسين الإسرائيلى مترجلين على شكل رأس حربة، وكان هذا غير معتاد. يضيف «قناوى»: «فجأة انكفأ الجندى الذى فى المنتصف على العبوة مباشرة يفحصها بجهاز معه، وأصبحنا فى موقف لا نحسد عليه، يهددنا بفشل العملية بل ويهدد حياتنا جميعًا، فقرر أبوهاشم فى أقل من ثانية إطلاق النار على الجندى فقتله، وتعاملنا مع بقية الدورية بعد أن اختلفت الخطة تمامًا، حيث أصبحت مجموعة الاقتحام الأولى فى مواجهة جنود المهندسين، والثانية فى مواجهة السيارة الأولى، وبسرعة انتقل الكل أمام السيارتين والدبابة وأصبح الالتحام وجهًا لوجه وبالبنادق فقط.
نجحت العملية وعبر الأبطال فى زورق مطاطى، وكان على البر الغربى مجموعة فدائيين لحمايتهم، وفى اليوم التالى كتبت الصحف: «أكبر عملية عبور فى وضح النهار.. القوات الخاصة تعبر القناة فى وضح النهار».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة