"ليس هذا كتابًا آخر يندرج فى جنس الكتب الاقتصادية المنوعة حول القدرة التنافسية"، أو حول كيفية اقتصاد مربح، أو كيف ينبغى على الأميركيين تقليد اليابانيين أو الألمان، إنه بالأحرى قصة الحياة الحديثة ذاتها، وكيف تعكسها الحياة الاقتصادية وتشكلها وتوطدها"، هكذا وصف فرانسيس فوكوياما، كتابه "الثقة الفضائل الاجتماعية ودورها فى خلق الرخاء الاقتصادى".
ويقول مترجما الكتاب معين الإمام، مجاب الإمام عنه "لعل الثقة: الفضائل الاجتماعية ودورها فى خلق الرخاء الاقتصادى أكثر كتب فوكوياما انفتاحا وإنسانية، سواء فى مواجهته التمركز الغربى على الذات، عبر طرح النموذج الآسيوى مثالا آخر فى التطوير الاقتصادى وتنمية رأس المال الاجتماعى، تتعلم منه الولايات المتحدة وأوروبا وبقية دول العالم العديد من الدروس والعبر؛ أو فى سعيه الأوسع إلى تحرير علم الاجتماع من استعمار الاقتصاديين الطويل لأكثر من قرن ونيف؛ أو فى إصراره على إمكانية بل أهمية التفاعل بين ثقافات العالم، رغم اختلافها وتباين درجات عقلانيتها ومدى تقبلها الحداثة السياسية (الديمقراطية) والاقتصادية (السوق الحر) بالنسب التقريبية تلك التى اقترحها (80% و20 % خصوصية)".
ويعتبر فوكوياما فى كتابه تحليلات المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة قاصرةً ومحدودةً فى الوصول إلى حقيقة النشاط الاقتصادى لأنّها تسقط من مجال اهتماماتها العوامل الثقافية، فبالرغم من اعترافه بصحة تفسيرها للسلوك الإنسانى فى المجال الاقتصادى بنسبة80%، إلا أنّه يعتبرها عاجزةً عن تفسير 20% المتبقية.
وينتقد بشدة تلك النقاشات التى سادت فى الولايات المتحدة بين اقتصاديى السوق والميركانتيلية الجديدة، حول تفسير أسباب النموّ الذى عرفته الدول الآسيوية؛ المركّزة إما على تدخل الدولة المباشر فى الاقتصاد، أو على وجود مؤسسات اقتصادية مختلفة خاصة بها.
ويعتمد فوكوياما فى دراسته عددًا من المفاهيم الأساسية لمناقشة أطروحته حول تأثير العوامل الثقافية فى البنية الاقتصادية، يمكن إجمالها فى خمسة، وهي: الثقة، رأس المال الاجتماعى، النزعة الاجتماعية العفوية، الثقافة، الفضائل الاجتماعى.
ويؤكد فوكوياما فى كتابه، الارتباط القوى والوثيق بين التقاليد والقيم والثقافة والهيكلة الصناعية والأداء الاقتصادي، حيث إنّ غنى رأس المال الاجتماعي، وانتشار التواصل الاجتماعي، وزيادة الثقة بين أفراد المجتمع وتخطيها للمجال المحدّد للجماعات، أو ما يسميه "بالبعد الإيجابى للثقة"، يساهم مساهمة محددة وجوهرية فى خلق المؤسسات الاقتصادية الضخمة القائمة على التنظيم والتراتبية الإدارية، المؤسسة للرخاء الاقتصادى والقدرة التنافسية فى السوق الاقتصادي، فلكون النشاط الاقتصادى يُعَدّ جانبًا محوريًّا من المجتمع، فإنّه يتأثر بجملة من القيم والمعاير والالتزامات الأخلاقية المنتشرة فى المجتمع.
وانطلاقًا من مقارنته بين عدة مجتمعات تنتمى إلى أمريكا الشمالية، وأوربا وآسيا، وبناءً على مستوى الثقة، يقسّم هذه المجتمعات إلى نوعين أساسيين:
النوع الأول: مجتمعات متميزة بتواصل اجتماعى قوي، ودرجة مرتفعة من الثقة، تجسدها تلك المجتمعات التى تعرف انتشارًا كبيرًا للمؤسسات الجماعية الوسيطة التلقائية الواقعة بين العائلة والدولة، والمساهمة فى خلق نموّ سريع للمؤسسات الاقتصادية الكبرى وذات تراتبية عالية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا.
النوع الثانى: مجتمعات متميّزة بتواصل اجتماعى ضعيف، تتمثل فى تلك المجتمعات التى تعرف مؤسسات وسيطة طوعية قليلة وضعيفة، والمتميزة تبعًا لذلك، بمستوى ثقة متدنّ خارج نطاق الأسرة، وبهيمنة الشركات الاقتصادية الصغيرة الحجم، وصعوبة ظهور الشركات الكبرى وبطء نموها.