أوشك الشهر الأول لتكليف سعد الحريرى بتشكيل الحكومة اللبنانية على الانتهاء، إلا أنه من الواضح أن الإعلان عن تشكيل الحكومة سيطول أمده بعد أن ظهر خلافا علنيا بين الأطراف اللبنانية على الحقائب الوزارية وتوزيعها وأى طائفة ستفوز بالوزارات الفاعلة فى أول حكومة فى عهد الرئيس ميشال عون.
وعلى الرغم من أن ما يظهر على السطح هو خلافاً على الحقائب الوزارية وتوزيعها، إلا أن الأمر يحمل فى طياته خلافاً سياسياً كبيراً بدأ فى التزايد بين الرئيس اللبنانى وحزب الله، بعدما بدأ الرئيس فى بوادر الخروج من عباءة الحزب سواء من خلال التحالفات الداخلية مع تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، أو خارجيا بالميل الواضح تجاه المحور السنى الخليجى.
ويأتى تمرد الرئيس اللبنانى على حزب الله فى وقت يعتبر الأخير نفسه السبب الأساسى فى وصول عون الى قصر بعبدا وكرسى الرئاسة، وكانت خطته توظيف الرئيس الحليف فى خدمة سياساته الداخلية والخارجية، إلا أنه وعقب 30 يوما بدأ يشعر الحزب الشيعى ان عون المقيم الآن بقصر بعبدا يختلف عن عون الذى كان يقيم سابقا فى "الرابية".
وشهدت الـ24 ساعة الآخيرة وفى أعقاب انتهاء الاحتفالات بعيد الإستقلال اللبنانى رسائل متبادلة بين عون وحسن نصر الله تؤشر على نهاية شهر العسل بين الطرفان، حيث أطلق الحزب فيتو على تشكيلة الحكومة التى يقوم الحريرى بإعدادها، بعد أن لوحظ منها وجود تحالف يتم الترتيب له يضم حزب القوات اللبنانية الذى يرأسه سمير جعجع، والتيار الوطنى الحر الذى يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل، وهو التيار الذى أسسه الرئيس عون وتيار "المستقبل" للتصدى للتحالف الشيعى بين حركة أمل وحزب الله، وهو ما يعتبره الحزب انقلاباً سياسياً عليه.
ويؤكد المتابعون للأوضاع اللبنانية أن التركيبة الحكومية لم تعد عالقة بين حبال الحصص والاحجام والحقائب، بل باتت أسيرة الصراع السياسى على هوية العهد الجديد وتوجّهاته وخياراته.
وتعقيدات حزب الله للحكومة ليست فقط مختصة بما يعتبره انقلابا داخليا على التحالف الشيعى، وإنما تخوفا واضحا مما يراه انقلابا على التحالفات الخارجية التى كان عون أقر بالالتزام بها قبل انتخابه رئيسا، وتقول مصادر مراقبة لوكالة الانباء "المركزية"، أن السهام التى وجهها بعض الاعلام القريب من فريق 8 آذار، نحو رئيس الجمهورية حملت رسائل واضحة ومباشرة مفادها أن الفريق المذكور غير راض عن النهج السياسى الذى انتهجه منذ انتخابه رئيسا، على الصعيدين المحلى والاقليمى، وأن تصويب الممارسة ضرورى للإقلاع بالعهد.
وقال موقع " ليبانون فايلز" أن محطة زيارة الأمير السعودى خالد الفيصل لبيروت، تعتبر محطة أساسية، و المسؤولة عن جعلِ الحزب يرى أنّ حال العلاقة بينه وبين العهد الجديد، تحتاج إلى ترشيد مبكر، أو نوع من تأكيد الثوابت التى تَجمع الطرفين.
فالزيارة جاءت لترتّبَ البيت السنّى وراء قيادة الرئيس سعد الحريري، ومثّلت مدى الثِقل الذى ترغب السعودية أن تعطيَه لحضورها فى لبنان وكلّ هذه المعانى توضح أنّ إيفاده إلى بيروت لتهنئة عون هو رسالة للأخير من الرياض من العيار الثقيل حول رغبتها بالانفتاح عليه.
وأشار الموقع الى تصريح الأمير خالد إنّ أوّل زيارة لعون ستكون إلى الرياض، والتى تشير الى اتفاقا تم إنجازه مع عون على أن يبدأ الأخير زياراته الخارجية بمحطّة الرياض، وهى تعد ضربه للمحور الشيعى بعد أن كان متعارف عليه بأن رؤساء الجمهورية كانوا يدشّنون زياراتهم الخارجية بباريس، وفى عهد الوجود السورى بدمشق، وضمن هذا العرف فإنّ مبادرة عون لاعتبار الرياض محطّته الخارجية الأولى توحى وكأنّها تنطوى على خيار إقليمى سياسى جديد.
الرسالة الواضحة التى وُجِّهت إلى الرئيس عون تطلب اليه الالتزام بالتحالف الاستراتيجى مع "حزب الله"، فى سياسته الخارجية وفى حفظ التوازنات الداخلية التى يريدها الحزب، هكذا علق موقع النشرة اللبنانى على الخلافات الحالية، وحذرت من أن يتصاعد الخلاف ويقدم الرئيس عون على الإعلان عن التشكيلة الحكومية بما لا يرضى "حزب الله"، ولا حليفيه الرئيس نبيه برى والنائب سليمان فرنجية. بسياسة حكومة الأمر الواقع.
إلا أن إعلان الحكومة بهذا الشكل يضعها فى مهب الريح، وستكون معرضه الى مخاطر انسحاب الوزراء الشيعة منها، فتصبح حكومة تصريف أعمال، أو بتحويلها الى حكومة مشلولة من قبل الوزراء الشيعة.
والآن لبنان أصبح أمام المعادلة الصعبة.. إما الإنحياز الى الرئيس عون ومحاولاته لإعادة الزخم لمشروع الدولة، عبر الانطلاق من تطبيق الدستور والقانون، وفى هذا التوجه يقف خلفه سعد الحريرى، وإما حزب الله وانتماءاته الخارجية وحسابات التحالف الشيعى فى المنطقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة