بدأت فى العاصمة الإندونيسية "جاكرتا"، اليوم الثلاثاء، محاكمة حاكم العاصمة المتهم بـ"الكفر"، فى قضية تثير مخاوف كثيرين من المتابعين والمهتمين بملف الأقليات فى إندونيسيا، من ازدياد عدم التسامح فى أكبر بلد مسلم فى العالم من حيث عدد السكان، بينما تظاهر عشرات المواطنين خارج قاعة المحكمة، هاتفين: "الله أكبر"، وهم يحملون مصلقات تظهر الحاكم مرتديًا ملابس السجن.
وفى هذا الإطار، قالت صحيفة "آى بى تايمز" البريطانية، إن باسوكى تاهاجا بورناما، الملقب بـ"آهوك"، وهو أول مسيحى يحكم العاصمة الإندونيسية جاكرتا منذ قرابة خمسين عامًا، مثل أمام خمسة قضاة، وقال إنه لن يهين الدين الإسلامى عن عمد أبدًا، وذلك بعد اتهام الحاكم ذى الأصول الصينية بالإساءة للقرآن، بينما يواجه احتمال السجن لخمس سنوات إذا أدانته المحكمة.
حاكم جاكرتا دامعا: خصومى يستخدمون القرآن ضدى.. ولم أتعمد الإساءة
من جانبه، قال باسوكى تاهاجا بورناما، للمحكمة بعينين دامعتين، إنه لم يتعمد أيّة إهانة عندما أدلى بتعليقاته بشأن استخدام خصومه للقرآن فى الحملات السياسية، نافيًا ارتكاب أى جرم، لكنه اعتذر عن تصريحاته، وأضاف أن تعليقاته كانت تستهدف خصومه السياسيين الذين يحثون الناخبين على ألا يدعموا مرشحًا غير مسلم.
كان الحاكم المعروف بصراحته، قد قال فى سبتمبر الماضى إن تفسير علماء الدين لآية فى القرآن تفرض على المسلم انتخاب مسؤول مسلم تفسير خاطئ، وجاءت تصريحاته خلال الحملة الانتخابية لإعادة اختياره فى اقتراع سيجرى فى فبراير 2017، وسط منافسة حامية يشهدها السباق الانتخابى.
"آى بى تايمز" البريطانية": الحاكم المسيحى حكى قصة مساعدته للفقراء على أداء الحج
وقالت الصحيفة البريطانية، أن الحاكم البالغ من العمر 50 عامًا، أكد خلال المحاكمة، أهمية الدور الذى لعبه فى حياته أصدقاء والديه المسلمون، والذين كانوا بمثابة "عرابين" له، كما استدعى حكايات قديمة تخصه وكيف كان يساعد الفقراء فى الذهاب للحج، عندما كان رئيس المقاطعة قبل عقد من الآن، متابعًا: "كشخص تربى فى دوائر إسلامية، ليس ممكنًا أن أهين الإسلام، لأن هذا أشبه بإهانة وعدم احترام للناس الذين أحبهم وأقدرهم".
وأثارت تصريحات حاكم جاكرتا فى سبتمبر الماضى، حركة احتجاجية عزّزها المتشددون الإسلاميون، الذين عارضوا باستمرار وجود حاكم غير مسلم فى العاصمة، لكنهم فشلوا فى منع ذلك بسبب شعبيته الكبيرة، لكن دعواتهم للدفاع عن الإسلام، ومعاقبة "الكافر"، تحظى بدعم غير مسبوق من المسلمين المعتدلين والمحافظين، الذين خرجوا فى تظاهرات ضد الحاكم بأعداد كبيرة لم تشهد البلاد مثيلاً لها منذ سنوات.
قصية "آهوك".. اختبار التعددية والتسامح الدينى فى إندونيسا
ويعتبر مراقبون، هذه القضية اختبارًا للتعددية والتسامح الدينى فى إندونيسيا، البلد الواقع جنوب شرق آسيا، الذى تراجعت فيه التعددية منذ تزايدت الهجمات على الاقليات، خصوصًا المسيحيين، والتى ارتفعت حدّتها مؤخرا.
وفى هذا الإطار، قال توبياس باسوكى، المحلل فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى جاكرتا: "إذا وُجِد مذنبًا، فإن هذه ستكون أكبر نكسة للتعددية فى تاريخ إندونيسيا".
وفى مواجهة الجدل بشأن تصريحات حاكم جاكرتا التى تنطوى على اتهام أحد منافسيه باستخدام آية قرآنية لخداع الناس للتصويت لصالحه، عبر الحاكم عن اعتذاره، ولكن هذا الاعتذار لم يهدئ موجة الغضب ضده.
باسوكى تاهاجا بورناما.. حاكم "جاكرتا" منذ سنتين ومتهم بإهانة الإسلام اليوم
كان "آهوك" قد تولى منصبه فى نهاية العام 2014، خلفا للرئيس الحالى جوكو ويدودو، وقد حاولت جماعات إسلامية متشددة منع تعيينه عام 2014، وذلك بسبب انتمائه لأقليتين، فهو مسيحى ومن أصول صينية، بينما دعت أعلى هيئة دينية فى إندونيسيا، وعدد من الجماعات المتطرفة، السلطات لمحاكمة الحاكم واتهامه بسبب تصريحاته "الكافرة".
ويدعو منتقدو قانون التجديف فى البلاد إلى إصلاحه، بينما تؤكد جماعات حقوقية، أن القانون الذى نادرًا ما استُخدم خلال حكم الرئيس الأسبق "سوهارتو" الاستبدادى الذى امتد لـ32 عامًا، تم اللجوء إليه فى السنوات الأخيرة لاضطهاد الأقليات.
خبير سياسى إندونيسى: أصول "آهوك" الصينية جعلت من السهل اتهامه بالتجديف
وقال الخبير السياسى صيام حارس، إن أصول حاكم جاكرتا العرقية الصينية جعلت من الأسهل اتهامه بالتجديف، متابعًا: "أصول آهوك الصينية تشكل عاملا رئيسيًّا فى ملاحقته القضائية"، متّهمًا الرئيس جوكو ويدودو - كالرؤساء السابقين - بتجاهل تصاعد شعبية الجماعات الإسلامية المتشددة غير المتسامحة مع الأقليات، التى ازدهرت بعد قرابة عقدين من سقوط نظام سوهارتو، مشدّدًا على أن الرئيس لم يملك الشجاعة للوقوف أمام الإسلاميين المتشددين، خوفًا من غضب الناخبين الذين يشكل المسلمون 90% منهم.
وفشل الرئيس "ويدودو" فى تهدئة غضب الجماهير فى تظاهرة ضخمة جرت فى نوفمبر الماضى، بينما تم إحراق سيارات للشرطة ووقعت مواجهات مع شرطة مكافحة الشغب خارج القصر الرئاسى، واضطر الرئيس الإندونيسى لتأجيل زيارة مقررة لاستراليا، للبقاء فى جاكرتا ومواجهة الأزمة، ما أثار شائعات عديدة حول انقلاب قريب.
توبياس باسوكى: القضية تظهر أن الحكومة أمامها مهمة ضخمة مع الإسلام السياسى
وأكد توبياس باسوكى، أن "القضية تظهر أن الحكومة أمامها مهمة ضخمة للتعامل مع الإسلام السياسى"، بينما يرى خبراء أن الجدل سياسى بامتياز، إذ قام منافسو حاكم إندونيسا بتأجيج الغضب ضده، لتتراجع شعبيته لدى الناخبين، وكان من المرجح أن يفوز الحاكم فى الانتخابات المقبلة فى شهر فبراير 2017، لكن بسبب هذه القضية تراجعت شعبيته فى استطلاعات الرأى، وبات فى المرتبة الثانية بعد "أجوس هاريمورتى يودويونو"، الابن الأكبر للرئيس السابق، وهو مسلم.
وكان "آهوك" يتمتع بشعبية كبيرة، ويلقى تقديرًا من الناخبين بسبب فاعليته فى إدارة العاصمة التى تضم عشرة ملايين نسمة، وتشهد ازدحامًا شديدًا، وقد تأخرت فيها الاصلاحات بسبب البيروقراطية والفساد.
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن المصري
الغباوة والتطرف والكراهية للآخر هو سمة المنهج السلفي وأصل الخراب
انظر الى اي دولة تبنت هذه الافكار التكفيرية وماذا اصبح حالها لما نشرت الكراهية والتعددية باسم الاسلام وهو منها براء