المسرح، هذا العشق المختلف، أبو الفنون وأبو الفنانين، على قدر سحره يحمل من الصعوبة والتوتر ما يكفى لإبعاد فنانين كثيرين عن خشبته وأجوائه الساحرة، لكن له قلبًا حانيًا يعرف به أبناءه المخلصين، يكتشفهم ويمدّ معهم أواصر المحبة وروابط الصداقة الدائمة، وإذا كان فنانون قليلون جدا هم من يحفظون المودة الممتدة مع "المسرح"، فقليلون من هذه الحصة القليلة من يضبطون موجات قلوبهم على تردد الخشبة، ويتوحدون معها، ويتوهجون فوقها كما تتوهج شمس فى كبد السماء، ومن هذا الصنف كان القدير الراحل، أحمد راتب.
رحلة أحمد راتب مع المسرح.. من المدرسة للهندسة لفنون مسرحية
بدأ عشق أحمد راتب للمسرح منذ مرحلة الدراسة، ثم التحاقه بفرقة التمثيل فى كلية الهندسة، قبل أن يترك العمل فى مجال الهندسة ليتوجه عقب تخرجه مباشرة لمعهد الفنون المسرحية، ليدخل إلى عالم المسرح من خلال مسرحية "سك على بناتك"، التى اشتهر فيها بمشهد مع الفنان فؤاد المهندس وهو يريده أن يتزوج إحدى بناته، قائلا له: "بلاها سوسو وخد نادية"، وفى كل فترة على امتداد مشاهد المسرحية يغير له ترشيح الزواج، وفى النهاية يقول له أحمد راتب: "بلاها نادية وبلاها سوسو"، فيقول له المهندس: "أمّال هتتجوزنى أنا؟!".
على مدار تاريخ الفنان أحمد راتب الحافل بالأدوار والشخصيات، لن تجد له عملا مخجلا أو دون المستوى، لأنه كان يمتلك من الذكاء الفنى فى اختيار الأدوار ودراستها ما يوفر له فرصة للظهور كما يليق بفنان جاد وحقيقى، كما حملت بدايته حضورًا متوجهًا إلى جانب باقة من النجوم والعلامات الفنية، فشارك كل النجوم الكبار تقريبًا فى أعمالهم، بدءًا من فؤاد المهندس وعادل إمام ومحمود عبد العزيز وأحمد زكى ونور الشريف ويسرا وليلى علوى وعزت العلايلى.
بلد السلطان.. الموت فوق خشبة المسرح
آخر أعمال الراحل أحمد راتب على خشبة المسرح، العرض المسرحى "بلد السلطان"، إنتاج البيت الفنى للمسرح، والذى يعرض فى الوقت الحالى، وهو تأكيد لأن الفنان الحق والمسرحى المخلص لأبى الفنون، يموت فوق خشبة المسرح، إن لم يكن فوقها بالمعنى المباشر، فعلى الأقل وهو يبدع وينتج مسرحيًّا، وليس مخاصمًا لـ"أبو الفنون" أو مبتعدًا عنه، وفى المسرحية الأخيرة وكان "راتب" يجسد فى العمل شخصية رئيس الوزراء المتلون، الذى يغير جلده مع كل نظام، وللحق فإن الفنان أحمد راتب كان لديه أسلوب مميز فى التمثيل وتشخيص النوعيات البشرية والأدوار التى يلعبها، عبر مزج بساطة الأداء وعدم التكلف، بقدر من الانفعال الداخلى والاشتغال على الأثر النفسى الهادئ، مع مسحة من الكوميديا، التى كانت حاضرة دائما فى كل أدواره.
قدم أحمد راتب عشرات الأدوار والشخصيات للدراما التليفزيونية، فلن ننسى شخصيته الشهيرة "السحت" فى مسلسل المال والبنون، بكل تفاصيلها وإفيهاتها ولزماتها، فقد كان الفنان الراحل من النوع الذى يضع لكل شخصية يقدمها إما "لزمة" او "إفيه"، وغالبا كان يرسم ملامحها الداخلية والخارجية بشكل ذكى يجعل المشاهد يتذكرها بشكل دائم، وقد سار على هذا المنوال فى كثير من أعماله التليفزيونية، وفى السينما أيضًا.
أحمد راتب.. النجومية المتوهجة فى أبسط الأدوار
لم يشغل أحمد راتب نفسه أبدًا بمساحة الدور ومدّة حضوره على الشاشة، كان من الفنانين الذين يقدمون أدوارًا مساعدة إلى جانب بطل رئيسى ونجم أول، ولكنك تشعر دائمًا وفى كل أعماله أنه بطل فى أى دور وشخصية، حتى وهو يقف إلى جانب الزعيم عادل إمام، الذى جمعته به كيمياء فنية وحالة من التفاهم والتمازج، دفعتهما لتشكيل ثنائى فنى خلال فترة من الفترات الفنية المزدهرة فى حياة كل منهما، فلن ننسى شخصيته الكوميدية التى رسمها لنفسه فى فيلم "واحدة بواحدة"، شخصية على عبد الظاهر صاحب الوكالة الإعلانية والحاضر بكوميديته الخفيفة دافعًا للأحداث ومطوّرًا لها.
نال الفنان أحمد راتب جائزة مهرجان الإذاعة والتليفزيون عن دور" القصبجى" فى مسلسل أم كلثوم، والحق أنه برع فى أداء هذه الشخصية شكلا ومضمونًا، ومن هذا التوحد مع الأدواء ذات الطابع التاريخى، إلى حضوره على خريطة السينما الشبابية ونجوم الأجيال الجديدة، فقد شكل أحمد راتب قاسمًا مشتركًا فى معظم أفلام الشباب خلال السنوات الماضية، كما يعد من أبرع الفنانين الذين أدوا أدوارًا هزلية لاذعة وناقدة للمجتمع.
الفنان أحمد راتب لمن لا يعرفه، يتميز بقلب طيب جدًّا، ودائمًا كانت الابتسامة سبّاقة لحديثه وتواصله مع الجميع، كانت البهجة مبدأه، ولم يكن من نوعية الممثلين الذين لا يردون على هواتفهم أو يتعالون على الناس، بل كان متواضعًا متواصلا مع الإعلام، ومع الجميع، رحمه الله.
عدد الردود 0
بواسطة:
اخوك عادل
الاسم مكتوب خطء
البقاء لله ياعم جمال عبد الناصر أسمه الفنان أحمد راتب مش أحمد بدير راجع التقرير