فى حلقة جديدة من مسلسل النزاع بين الحكومة المغربية وجبهة البوليساريو على الصحراء الغربية، شهد مساء أمس تحركات من قبل الجيش المغربى على الحدود مع موريتانيا، ردا على إقامة قادة البوليساريو موقعا عسكريا جديدا فى الصحراء المغربية بالقرب من منطقة "كركرات" الحدودية على مسافة قريبة جدا من الجيش المغربى، وهو ما اعتبرته الرباط خطوة استفزازية.
وذكرت صحيفة "المساء" المغربية أن المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، الجنرال دو كور دارمى بوشعيب عروب، أعلن ثورة فى جهاز الجيش بالمنطقة الجنوبية، إذ أصدر أوامره بتغيير أماكن ثكنات عسكرية ونقلها إلى نقط "توصف بالسوداء"، قريبة من منطقة الكركرات، وذلك ردا على التحركات الجزائرية الموريتانية التى تهدف إلى نقل جزء من مخيمات تندوف إلى المنطقة ذاتها.
وقالت الصحيفة، فى عددها الصادر اليوم، أن الجنرال دوكور دارمى بوشعيب عروب وصل إلى مدينة كلميم، وعقد عدة اجتماعات مع المسئولين العسكريين بالمنطقة الجنوبية، لتدارس ملف تصعيد التوتر الذى تزامن مع إطلاق المغرب منذ يوليو حملة دبلوماسية فى إفريقيا ستمهد لعودته إلى الاتحاد الإفريقى.
ومنطقة "كركرات" هى نقطة حدودية بين المغرب وموريتانيا يتم من خلالها عبور الأفراد والسلع بين البلدين وتشهد توترا بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ أغسطس الماضى، بعد قيام حكومة المغرب بعدد من الإجراءات فى هذه المنطقة منها الإعلان عن تطهيرها من المهربين وتجار المخدرات ورصف الطريق الفاصل بين نقطتى الحدود المغربية والموريتانية (3 كلم ونصف).
وأثار التحرك المغربى فى منطقة الكركرات احتجاج جبهة البوليساريو التى تعتبر المنطقة من المناطق المحررة، وردا على ذلك حركت دوريات قريبة من العمال المغاربة خلال رصف الطريق، وهو ما أدى إلى تدخل الامم المتحدة وإرسال دوريات من قواتها "المينورسو" فى الصحراء لمراقبة الوضع ومنع الاحتكاك.
ونشرت بعض وكالات الأنباء العالمية منتصف الأسبوع الماضى زعيم جبهة البوليساريو ابراهيم غالى، وهو يقوم بزيارة للمنطقة برفقة بعض معاونيه العسكريين وتظهر الصور غالى على شاطئ المحيط الأطلسى، ونسبة إلى مصادر الصحيفة، فإن هذه المجموعة عبرت من التراب الموريتانى لتصل إلى مياه الأطلسى قرب منطقة لكويرة.
وقالت تقارير صحفية تم نشرها فى المغرب ولم تؤكد البوليساريو أو تنفى ما تم نشره، أن اجتماعا، عقدته، القيادية فى جبهة البوليساريو، مريم السالك حمادة، مع ممثلى مخيم "أوسرد" فى منطقة تندوف، ناقشت معهم مقترحاً جديداً يتعلق بضرورة إعمار الكويرة، الواقعة حالياً تحت سلطة موريتانيا، والتى يعتبرها المغرب جزءاً من ترابه الوطنى، وأكدت أن المقترح يأتى ثمرة تنسيق بين قيادة جبهة "البوليساريو" والحكومتين فى الجزائر وموريتانيا.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام المغربية كالت الاتهامات فى صفحاتها الأولى لحكومتى الجزائر والمغرب بالتواطؤ مع البوليساريو لفرض سياسة المر الواقع فى المغرب إلا أن حكومتى البلدين فى المغرب العربى التزما الصمت حتى الآن ولم يصدر أى رد رسمى على الاتهامات المغربية.
ويأتى هذا الاستنفار الحدودى بين المغرب والبوليساريو فى وقت حرج، حيث تسعى الرباط إلى العودة لمنظمة الاتحاد الإفريقى وربما يتم التصويت على انضمامها فى يناير المقبل، عقب غياب دام لأكثر من 3 عقود لقبول الإتحاد ضم البوليساريو والاعتراف به فى الاتحاد الإفريقى.
وقالت صحف مغربية: إن هذه التحركات من الجبهة يأتى للتشويش على مساعى المغرب لاستعادة مقعدها فى الاتحاد الأفريقى، وأن الجبهة تحاول استغلال المرحلة الانتقالية التى تمر بها منظمة الأمم المتحدة، قبل أن يتسلم البرتغالى أنطونيو جيتيريز منصبه فى يناير المقبل، والأمر نفسه بالنسبة للولايات المتحدة، الذى يشكل فيها دونالد ترامب الإدارة الأمريكية الجديدة، كل ذلك من أجل فرض واقع جديد.
ويأتى تخوف الرباط من التطورات الحدودية من جانب البوليساريو لأنها بوضع "مراكز حدودية دائمة" بين منطقة الكركرات وشمال موريتانيا، تكون بذلك منحت نفسها صلاحية الدولة عبر مراقبة جوازات السفر وفرض الضريبة على الممتلكات التى تنقل بين المغرب وموريتانيا.
ويؤكد مراقبون أن ملف تسوية الصحراء المغربية بين البوليساريو والمغرب سيكون حاضرا بقوة على أجندة الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، حيث إنه على علم بجميع جوانب النزاع نظرا لقرب البرتغال من المغرب جغرافيا، وتطرق عندما كان رئيسا للحكومة البرتغالية ما بين 1995-2002 لهذا النزاع مع السلطات المغربية، كما تدخل فى معالجات مشكلات مخيمات تندوف عندما كان رئيس مفوضية وكالة غوث اللاجئين.
وتمكن المغرب من استعادة سيادته على الصحراء منذ 1975 فى أعقاب انتهاء الاحتلال الإسبانى لها، وتطالب جبهة البوليساريو بالانفصال فى حين تقترح الرباط التى تعتبر الصحراء المغربية “قضية وطنية”، حكما ذاتيا تحت سيادتها، وهو الاقتراح الذى لقى ترحيبا دوليا.
والآن ينذر الوضع على الحدود المغربية الموريتانية بتصاعد للأزمة حيث يتواجد قوات الأمن المغربى ووقوات البوليساريو وجها لوجه تفصل بينهما 120 مترا فقط، وبات النزاع المسلح أمرا غير مستبعد، ربما لن يحتمل حتى تولى الأمين العام الجديد للأمم المتحدة.