قالت دار الإفتاء المصرية، أنه لم يكن هدف الحرب فى الإسلام السيطرة على الشعوب ونهب مقدراتها، وإنما كانت تهدف إلى تحريرهم من نير الظلم والاستعباد، والدفاع عن الدعوة إلى الدين الحق، لقد كان هذا هو محور التوجيهات الإسلامية فى القرآن والسنة وإجماع العلماء والتطبيق العملى الواقعى المتمثل فى سلوك كثير من القادة العسكريين على مدار التاريخ الإسلامى.
وأضافت الدار، فى توضيح مفهوم الحرب فى الإسلام، فى إطار حملة الرد على الشبهات المثارة حول الدين الاسلامى، إن القرآن الكريم يحدد الغاية من القتال فى كونه مانعًا من الفتنة، كما فى قوله تعالى: ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين﴾، هنا يبين القرآن بوضوح أن القتال أمر محدود، ويسعى لإنهائه بأسرع وقت وأقل تكلفة، وقال تعالى: ﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير)، والقتال يكون فى سبيل الله تحقيقا لمراده تعالى وتوجيهه، وليس تشهيا للقتل والتخريب والتدمير، يقول تعالى: ﴿الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا﴾، ويحذر من قتال من يسالم ويمتنع عن قتال المسلمين: ﴿فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا﴾، فإن حدث العكس فإن الله تعالى يبيح قتال هؤلاء المعتدين: ﴿فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا﴾، وهذا هو التوازن الذى يمثل جوهر النظر الإسلامى للسعى فى هذه الحياة بتطلع إلى مثل عليا، ولكن بواقعية فى الوقت ذاته.
وأضافت: كذلك كان الهدى النبوى مؤكدًا على هذه القيم والأخلاقيات الرفيعة السامية؛ فعن حنظلة الكاتب، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمررنا على امرأة مقتولة، قد اجتمع عليها الناس، فأفرجوا له، فقال: «ما كانت هذه تقاتل فيمن يقاتل»، ثم قال لرجل: «انطلق إلى خالد بن الوليد، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرك، يقول: لا تقتلن ذرية، ولا عسيفا» رواه ابن ماجه.
وتابعت: ومن نماذج التزام المسلمين بهذه القيود وتطبيق الهدى الإلهى والنبوى فى الحرب وأخلاقياتها ما رواه البيهقى فى سننه الكبرى أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشى مع يزيد بن أبى سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع، فزعموا أن يزيد قال لأبى بكر الصديق رضى الله عنه: إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال له أبو بكر رضى الله عنه: "ما أنت بنازل ولا أنا براكب، إنى أحتسب خطاى هذه فى سبيل الله". قال: "إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رءوسهم من الشعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، وإنى موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن".
ولقد كانت هناك آداب مرعية فى حروب المسلمين بدعوة الخصم للدخول فى الإسلام أو الاستسلام ودفع الجزية قبل بدء الحرب، وحسن معاملة الأسرى، وقبول السلم والصلح، قال تعالى: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم﴾، وغير ذلك من الآداب والأخلاق والضوابط التى أتينا على ذكر بعضها فيما سبق.
لقد خاض المسلمون فى عهد النبى صلى الله عليه وآله وسلم عشرات المعارك، وكان عدد القتلى فيها جميعا يجاوز الألف بقليل، وهو رقم ضئيل جدا يؤكد عدم تشوف الإسلام للقتل والتزام المسلمين بهذا المنهج، كما لم يكن من آثار انتصار المسلمين فى الحروب التى خاضوها أن أجبروا المهزومين على اعتناق العقيدة الإسلامية، ولقد كانت مصر بعد أن فتحها المسلمون أحد النماذج الشاهدة على عدم الإكراه فى الدين، فقد ظل أهل مصر تحت الحكم الإسلامى يدينون بالمسيحية وتحولوا منها إلى الإسلام عبر تعاقب الحقب والأزمان إلى أن صار المسلمون بها أغلبية كاسحة بعد حوالى أربعة قرون من فتحها.
إن الحرب فى الإسلام بأهدافها وضوابطها وأخلاقياتها نموذج فريد يدل على مقدار ما وصلت إليه حضارة الإسلام من رقى وسمو، ودليل دامغ على سعى هذا الدين الحنيف لنشر السلام والاستقرار فى العالم بأسره.