نقلاً عن العدد اليومى..
عادت مشاورات الحكومة اللبنانية إلى المربع صفر، بعد أن سادت على مدار اليومين الماضيين أجواء إيجابية باحتمال إغلاق هذا الملف خلال ساعات، وعلى الرغم من أن ما يتم تداوله يؤكد أن العراقيل أمام تشكيل الحكومة داخلية، وتنحصر فى بعض الحقائب الوزارية وميزان القوى بين جميع الأطياف، إلا أنه بالنظرة خارج الحدود اللبنانية يمكن رؤية المشهد أكثر وضوحا.
فشمال لبنان وداخل الحدود السورية، يقود الرئيس بشار الأسد حربا ضارية ضد الإرهاب، ويحقق الجيش السورى انتصارات تتصاعد صيحاتها يوما بعد يوم فى حلب، مع توقعات بإعلان تحريرها من الميليشات بين الحين والآخر، وهى الحرب التى ستقلب نتائجها موازين القوى فى الداخل اللبنانى.
استعادة الأسد سيطرته على مناطق جديدة بسوريا، وتحسين وضعه عسكريا على الأرض يعيد القوة لمحور «إيران- سوريا- حزب الله» فى مواجهة السعودية، بل ويجهض تحركاتها التى كثفتها على مدار الأيام الماضية، فور إعلان العماد ميشال عون رئيسا للبنان، لمحاولة كسب وده وإظهار للجميع أن لها اليد العليا فى بيروت.
فعلى مدار الشهرين الماضيين لم تنقطع الوفود الخليجية عن بيروت لخطب ود الرئيس المحسوب على حزب الله، والنظام السورى، حتى أن الرياض تعمدت إرسال وفد رفيع المستوى للتهنئة بعيد الاستقلال وإلقاء كلمة يؤكد فيها أن مرحلة الخلاف انقضت، وأن شهر العسل بين الرياض وبيروت قد بدأ.
ولأن موقع لبنان فى قلب الصراع بين القوى فى المنطقة كتب عليه أن يكون قراره ترجمة لتوافقات دولية وإقليمية، فقبل شهر كان المشهد الغالب على الحكومة اللبنانية التى يقوم سعد الحريرى بمشاورات تشكيلها يميل نحو تطويق قدرات حزب الله وحلفائه، وفى هذا الإطار اختار الحريرى تشكيل الحكومة من 24 وزيرا بدلا من التشكيلة الثلاثينية المعتادة، وذلك بهدف تقليل عدد مقاعد قوى 8 أذار فى الحكومة الجديدة.
وعقب تفكيك الألغام التى كانت فى طريق التشكيلة الحكومية، والوصول إلى محطة الانطلاق والانتهاء من توزيع الحقائب الوزارية على هذا النهج، جاءت حلب لتفرض تغيير المشهد اللبنانى مجددا، ففى الوقت الذى لم يكشف فيه الحريرى أو عون عن أسباب التراجع فى التقدم على خط إعلان الحكومة، أكدت التسريبات أن هناك فيتو على حكومة الـ24 وزيرا، ومطالبات بعودة الصيغة الثلاثينية مما سيزيد عدد الوزراء الشيعة فى الحكومة وتقوية نفوذ قوى 8 أذار.
ومن مظاهر زيادة نفوذ حزب الله وحلفائة، وتغير اللهجة بعد انتصارات حلب، ما قيل عن اعتراض الرئيس عون على الاسم الذى طرحه الحريرى لتولى حقيبة الدفاع، وطرح بدلا منه اسم الوزير الأرثوذكسى السابق يعقوب الصرّاف، وفقا لما نشرته صحيفة «اللواء» اللبنانية، وهو الأمر الذى أربك الحريرى نظرا لحساسية الوزارة التى تتحكم فى الجيش والأمن اللبنانى، حيث تكمن أزمة «الصراف» فى ارتباطه القوى، بالرئيس الأسبق إميل لحود وحليفه «حزب الله».
هذه التغيرات الإقليمية ظهرت فى إشارات عديدة واضحة بين بيروت ودمشق، فى مقدمتها تصريحات الرئيس السورى بشار الأسد، عن لبنان منذ أيام قليلة، والتى لوح فيها إلى فتح أبواب دمشق للرئيس ميشال عون، والذى يعتبره حليفا له عقب تشكيل الحكومة، وانتقد سياسة النأى بالنفس التى تعتمدها الحكومة اللبنانية حيال الأزمة السورية وهو ما فسره السياسيون بأنها أولى تداعيات معركة حلب على لبنان واستثمار النجاح لإعادة لبنان لحضن السياسة السورية.
وما يؤكد ذلك خطاب زعيم حزب الله الذى عقب تصريحات الرئيس السورى بفترة وجيزة، حيث قال مذكرا بعلاقته بالرئيس عون «خلال عامين ونصف عطلنا انتخاب الرئيس لأننا كنا مع انتخاب عون ولم نتزحزح»، ودعا إلى عدم الضغط على حزب الله، قائلا للقوى السياسية اللبنانية «لا تراهنوا على المتغيرات فى المنطقة، لأننا دخلنا فى مرحلة جديدة»، فى إشارة ضمنية إلى انتصارات حلب.
وتدعيما لموقف سوريا، أعلن وزير الخارجية جبران باسيل، فى مقابلة مع تليفزيون «الميادين»، أن الرئيس السورى هو الرئيس الشرعى لسوريا، موضحًا أن رئيس الجمهورية هو حليف «حزب الله».
الحضور السورى أربك المشهد اللبنانى وربما يعيد مرة أخرى خريطة التحالفات الداخلية فى لبنان، بعد أن لوحظ مؤخرا ميل عون إلى تحالف جديد على خط الحريرى والرياض، ويبدو جليا أن أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، أصبحت رهينة نتائج الحرب فى حلب لصالح الرئيس السورى، وما ترتب عليها من رغبة «حزب الله» فى وضع أحجام جديدة للقوى السياسية فى لبنان تتناسب مع المشهد.