كتب مدرسو التلميذ فيدل كاسترو فى تقرير تخرجه من المدرسة الثانوية: «حاز على إعجابنا وتقديرنا جميعًا، وسيقوم بدراسة القانون، لذلك نتوقع له وبلا شك اسمًا لامعًا، يقوم بكل ما بوسعه عمله، ولذلك فسيصنع من نفسه شيئًا».
هكذا كان التنبؤ بما سيكون عليه الرجل الذى قاد ثورة كوبا، وظل يحكم بلاده 49 عامًا «1959 - 2008»، وأصبح من رموز القرن العشرين. ووفقًا لما تذكره ميسون البياتى فى مقالها «الرفيق كاسترو»، المنشور على موقع «الحوار المتمدن، 27 نوفمبر 2008»: «دخل كاسترو جامعة هافانا عام 1945 وعمره 18 سنة، وأصبح شخصية سياسية معروفة بين الطلاب، وكان يتحدث فى السياسة بين الزملاء فى كل مكان، ويجعلهم مأخوذين بالاستماع إليه.. جزء من جاذبيته كانت تعود إلى طلعته البهية، كان طويلًا وسيمًا واثقًا من نفسه، ويرتدى عادة بدلة زرقاء غامقة، وربطة عنق يبدو بهما منذ الآن محاميًا مهمًا». وتؤكد «البياتى» استعانتها بكتاب «حياتى»، تأليف فيدل كاسترو وأجناسيو رامونيت للتعرف على الرجل، مشيرة إلى أن جميع الأساتذة والطلاب كانوا يعرفونه بسبب نشاطه، ولذلك سرعان ما أصبح قائدًا طلابيًا لمجموعة مهتمة بالسياسة أطلقت على نفسها تسمية «إدارة جبل الثلاثينيات»، وعلى الرغم من أن الشيوعية انتشرت فى كوبا منذ العام 1925، وعلى الرغم من أن كاسترو أصبح شيوعيًا فيما بعد، إلا أنه فى فترة دراسته الجامعية لم يكن شيوعيًا بل كان معاديًا لها».
تخرج فى كلية القانون عام 1950 وعمره 23 عامًا، وافتتح مكتب محاماة يهتم بشؤون الفقراء، رافضًا تقاضى أى أتعاب منهم، ومارس العمل الاجتماعى فى وسط أوضاع سياسية فاسدة تقودها حكومة «برايو سوكاراس» بالرغم من أنها وصلت بالانتخابات عام 1948، واستطاع الرئيس الكوبى السابق الديكتاتور «باتيستا»، المهزوم فى انتخابات عام 1944، أن يعود إلى الرئاسة بانقلاب قاده بعض ضباط شباب تابعين له، وفى ظل حكمه سارت البلاد من سيئ إلى أسوأ.
لجأ «كاسترو» إلى النضال السلمى ضد «باتيستا» فتقدم بطلب إلى المحاكم الكوبية لإعلان حكم «باتيستا» غير شرعى، لكنه خسر القضية فاتجه إلى العنف الثورى، وانتظم مع رفاقه فى تدريبات عسكرية، ونظموا خطة للحصول على السلاح والدعم المالى، وفى 26 يوليو 1953 هاجم هو و100 من رفاقه موقعًا للتجهيزات العسكرية للحصول على البنادق، لكن الحرس قتل المهاجمين، وتم اعتقال «كاسترو»، وحكمت عليه المحكمة بالسجن 15 عامًا، وفى السجن قرأ بشغف مؤلفات ماركس ولينين، وواصل منه بث رسائله المحرضة، وبعد عامين تم إطلاق سراحه ليقوم بجولة فى أمريكا، ويجمع منها 8 آلاف دولار تبرعات، ويرحل إلى المكسيك، وينظم مجموعة صغيرة من الثوريين الراديكاليين بهدف الإطاحة بحكم «باتيستا»، وضمت بين عضويتها الأرجنتينى «تشى جيفارا»، وأطلقت هذه المجموعة على نفسها اسم «حركة 26 يوليو»، وفى مثل هذا اليوم «2 ديسمبر 1956» عاد هو و80 من رفاقه على متن قارب يدعى «جرانما» إلى كوبا، وحسب ميسون البياتى، نقلًا عن مذكرات «كاسترو»: «كانت رحلة كارثية بحق، فليس باتيستا وحده من كان يعلم بوصولهم، لكن الأحوال الجوية السيئة وانقطاع الاتصالات جعلتهم يصلون فى الوقت الذى كان فيه جنود باتيستا بانتظارهم، فقتل الجميع عدا 12 واحدًا منهم، وبالرغم من هذه الخسارة الهائلة واصل «فيدل» وشقيقه «راؤول» ورفيقهما «جيفارا» القتال، ولمدة سنتين استخدموا الجبال مكانًا لقاعدتهم، حيث كانوا يشنون هجمات فدائية صغيرة العدد، سريعة التحرك، تهاجم الجنود، كما قامت الجماعة بتوزيع المنشورات، وحصلوا عام 1958 على محطة راديو، وأذاع فيها« كاسترو» وعوده للكوبيين، فزاد عدد المتطوعين ليصل إلى 2000 عام 1958، وفى أول يوم من عام 1959 سيطرت هذه القوة على العاصمة هافانا.
فى أول لقاء بين «جيفارا» وجمال عبدالناصر بالقاهرة عام 1959، وحسب كتاب «عبدالناصر والعالم»، لمحمد حسنين هيكل، روى «تشى» لـ«عبدالناصر» أنه عندما كان «كاسترو» يجابه المصاعب والنكسات، وهو يقود حرب العصابات فى قمم التلال الكوبية سنة 1956، كان يستمد كثيرًا من الشجاعة من الطريقة التى صمدت بها مصر للعدوان الثلاثى «بريطانيا وفرنسا وإسرائيل» على مصر، وقال إن «عبدالناصر» كان قوة روحية وأدبية لرجاله.