لا يزال نجيب محفوظ يشغل العالم، ويمثل الوجه الأبرز فى الثقافه العربية، بالنسبة لمبدعى الثقافات الأخرى، ومنه ومن ترجمته، بدأنا حوارنا مع الكاتبة الأديبة اليونانية المترجمة بيرسا كوموتسى، التى قامت بترجمة العديد من الأعمال الأدبية المصرية إلى اللغة اليونانية، وعلى رأسها أعمال عميد الرواية العربية، وناقشنا معها العديد من القضايا المتعلقة بترجمة الأدب العربى ومستقبله، فإلى نص الحوار:
- ولدت وعشت وتعلمت فى مصر.. وكنت تتعاملين على أساس أنها وطنك.. كيف كانت هذه المرحلة.. ومتى كانت زيارتك الأخيرة؟
هذه الفترة بالتحديد "مرحلة الطفولة" أقدمها بتأثر وحب كبيرين فى الجزء الأول من روايتى الأخيرة "فى شوارع القاهرة نزهة مع نجيب محفوظ"، فهذه الفترة كانت حاسمة فى حياتى وتطورى كإنسان وبالتالى ككاتبة، بالرغم من أننى أغيب عن مصر لسنوات طويلة أشعر أن نصف قلبى لا يزال ينتمى إلى هناك، زيارتى الأخيرة لمصر كانت قبل شهر من أجل الملتقى الدولى للترجمة بالقاهرة فى المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومى للترجمة، والذى كان حدثاً ثقافياً عظيماً.
- هل حدثت تغيرات اجتماعية كبيرة بين مصر قديما وحاليا؟
بالتأكيد، حدثت تغيرات كثيرة، الآن أشعر بتغيرات أكبر وأشعر أن مصر كأنها تعود لما كانت فى الماضى، فى الفترة التى عشتها قديما فى القاهرة كان المكان مركزا ثقافيا كبيرا.
- ترجمت الكثير من الكتب عن اللغة العربية.. فهل ترينها لغة صعبة ؟
كبرت وأنا أسمع اللغة العربية فى الشارع والتلفاز وفى كل مكان، تعلمتها فى المدرسة منذ السنوات الأولى للمرحلة الابتدائية وبعد ذلك فى الجامعة، كانت تأسرنى دائماً، فهى لغة شعرية وروحية وفلسفية كما أنها أيضاً لغة الإنسان البسيط، لا لم أقابل أية صعوبات، ربما فى البداية بسبب عدم الخبرة لكن بعد أن اكتسبت الثقة وشعرت أننى أطأ على أرض معروفة وبعد ذلك كانت لغة وأفكار محفوظ التى أعشقها وأتماهى معها ترشدنى وتوجهنى بشكل كبير.
- هل ترين أن الأعمال الأدبية المصرية تقدم نموذجا كاملا عن الأدب العربي؟
نعم.. أعتقد هذا، وبشكل كبير، فمصر كانت دائماً عاصمة الآداب والفنون فى العالم العربى.
- هل الشعب اليونانى يقبل على قراءة الكتب العربية.. خاصة أن كتابك "نزهة مع نجيب محفوظ" تم استقباله بشكل جيد؟
عشق اليونانيون الأدب العربى، من خلال كتب نجيب محفوظ، ومن خلالها تعرفوا وعشقوا الشعب المصرى والثقافة المصرية، وبالتالى العربية، ويعتبر نجيب محفوظ فى اليونان الممثل الفعلى الأول للأدب المصرى والعربى، إذ أنه من خلال أدبه يقدم لنا الوجه الإنسانى الفاتن لمصر فى العصر الحديث فى أبهى صوره.
- وماذا يفضل اليونانيون فى القراءة للعرب.. الأعمال السياسية أم الأدبية؟!
أعتقد الأدب، فالكتب اليونانية أصابت اليونانيين بالإرهاق فى الفترة الأخيرة، لكن الآن بصفة خاصة مع بروز موضوع الهجرة صاروا يهتمون بالإنسان بشكل أكبر، ولديهم رغبة فى معروفة ثقافة هؤلاء الناس الذين يستضيفونهم.
- معظم ترجماتك عن كبار الكتاب العرب خاصة المصريين.. فماذا عن شباب الأدباء فى مصر؟!
أحاول قدر ما أستطيع أن أترجم لعدد كبير من الكتاب، فأنا أقدم على ترجمات لفصول ومقتطفات من أعمال الكتاب الشباب وغيرهم من الكتاب البارزين وغير المعروفين لدى القارئ اليونانى فى مجلة إليكترونية، لكن على كل حال على أن أبدأ من القدامى فهناك من الكتاب القدامى الكبار من هم غير معروفين للقارئ اليونانى ومن ثم الأحدث، لكن مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة فى اليونان صارت الأمور أكثر صعوبة، حيث قل عدد الكتب المترجمة بشكل عام، لكن آخر أعمالى فى الترجمة كان مختارات عن الشعر العربى وفيها كان هناك تركيز على الأدباء والشعراء الشباب.
- فى الفترة الأخيرة. . أصبحت كتابة الرواية فى مصر ظاهرة.. فهل تعتقدين أن الراوية المصرية تسحق المنافسة فى الأسواق الأوروبية؟
بكل تأكيد تستحق المنافسة، أنا أعتقد أن الرواية المصرية والعربية بشكل عام تقدم مستوى ربما أفضل مما يقدم على الصعيد العالمى، كما أن هناك جيل من شباب الكتاب الذى يستحق أن يتم التعريف به فى أوربا والغرب، لكن مع الأسف الأزمة الاقتصادية فى أوربا تحول دون هذا.
- فى الفترة الأخيرة.. حدث فى البرلمان المصرى هجوم على روايات نجيب محفوظ باعتبارها خادشة للحياء، فما رأيك؟ وكيف نرد عليهم؟
يحزننى بشدة هذا الأمر، وهو ما لم أكن أتوقعه بالأخص فى هذه الفترة التى تعيشها مصر، فنجيب محفوظ بالنسبة لى كاتب عالمى إنسانى، فيلسوف الشرق، الشرق الذى يفتح ذراعيه للبشر كافة، يوحد ولا يفرق، عُشقت مصر وآدابها فى اليونان من خلال كتب نجيب محفوظ، وكون الكاتب يسلط الضوء على نقاط الضعف فى المجتمع لا يعنى أنه لا يحبه، على العكس تماماً، فلقد تحدثت كثيراً فيما أكتبه عن مساوئ المجتمع اليونانى، مثلما فعل كتاب آخرين، لكن هذا لا يعنى أننى لا أحب بلدى التى أعيش فيها فى الثلاثين سنة الأخيرة، فنحن نكتب ونسلط الضوء على الجيد والسيئ لأنه فقط عندما نعترف بالمشاكل ونواجهها نستطيع أن نجد حلولاً ونحسن من أنفسنا بشكل عام، وهذا هو دور الأدب الجيد.
-هل من الممكن أن تتجهي إلى ترجمة أعمال عربية سياسية أو ساخرة؟
لا تشغلنى ترجمة الكتب السياسية، وربما لو كان هناك ما يستدعى لقمت بترجمتها، لكن بالتأكيد لن أنشغل أبداً بالأعمال الساخرة أو "الكتابة السهلة" أو تلك الأعمال التى تهدف إلى الإهانة والتقليل من شأن ثقافة أو حضارة ما أو فصيل من البشر، أما الأدب العربى فأنا أحترمه للغاية ولهذا فقد كرست خمسة وعشرين عاماً من حياتى فى ترجمته إلى اللغة اليونانية.
- هل قمتى بزيارة معرض القاهرة الدولى للكتاب من قبل، وما رأيك فيه؟
قمت بزيارة معرض القاهرة الدولى للكتاب مرتين أوثلاثة، أظن أنه من أثرى وأكبر معارض الكتاب فى العالم العربى وليس فقط، فهو يستضيف ويحتضن ويعزز حرية الفكر من خلال الكتب من العالم بأسره دونما تفريق وأود أن يظل هكذا على الدوام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة