أنور الرفاعى يكتب: مجلس الأمن يصدر القرار رقم 39 بشأن القضية الفلسطينية ولا حياة لمن تنادى.. عبقرية الموقف المصرى تتجلى فى إرجاء التصويت على مشروع وقف الاستيطان.. ومصر تجبر العالم على تحقيق ما تريد

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016 09:24 م
أنور الرفاعى يكتب: مجلس الأمن يصدر القرار رقم 39 بشأن القضية الفلسطينية ولا حياة لمن تنادى.. عبقرية الموقف المصرى تتجلى فى إرجاء التصويت على مشروع وقف الاستيطان.. ومصر تجبر العالم على تحقيق ما تريد أنور الرفاعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أثار القرار 2334 الصادر من مجلس الأمن فى 23 ديسمبر بشأن إدانة إسرائيل بنائها للمستوطنات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس عاصفة من السجال البعيد عن صلب القرار وفحواه، ليتعدى ذلك إلى استخدام بعض الدول فترة ما قبل هذا القرار للخوض فى تفسيرات وتأويلات تتعلق بقرار مصر التقدم بمشروع القرار، ثم إرجاء التصويت عليه، لتتقدم دولا أخرى بالمشروع إلى مجلس الأمن، وتصويت مصر لصالح المشروع، دون أن تدرك هذه الدول التى استعصى عليها فهم أبعاد المناورة السياسية المصرية فى هذا الشأن للحصول على أكبر المكاسب لصالح القضية الفلسطينية.

 

وللمرة الثانية تقف مصر على أسرار الأزمة ومفاتيحها، وهو علم لو تعلمون عظيم، ففى المرة الأولى التى أدركت فيها مصر السر فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى فطن إلى هشاشة هيئة الأمم المتحدة فى الصراع العربى الإسرائيلى، ونقل القضية بعد انتصار عسكرى مدو على العدو الإسرائيلى بعد سلسلة المعارك التى خاضتها مصر من أجل القضية التى بدأت منذ عام 1948، إلى ميدان المفاوضات المباشرة بعد أن تحولت القضية إلى مجرد "مكلمخانة" داخل الأمم المتحدة دون إنجاز أو انتصار سياسى، لأسباب مختلفة منها أن القضية كانت ساحة للدول الحنجورية وأيضا للمتاجرين بالقضية، وكانت نقلة السادات تمثل قراءة جديدة فى القانون الدولى والعلاقات الدولية والمعاهدات والاتفاقات عندما أدرك أن أوراق القضية ليست فى دهاليز الأمم المتحدة التى تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن البيت الأبيض هو الذى يملك مفاتيح تلك القضية، فتمخض هذا التوجه عن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والتى عارضها الفلسطينيون آنذاك، فعندما ألقى الرئيس السادات خطابه الأشهر تحت قبة البرلمان، وقال إنه على استعداد لزيارة الكنيست الإسرائيلى من أجل عدم إراقة قطرة دم من أى جندى، كان الراحل ياسر عرفات مدعوا فى هذه الجلسة فوقف وصفق بحرارة كبيرة، وما أن غادر عرفات القاهرة حتى ألقى بيانا وصف فيه السادات بالخائن ومصر بالعمالة.. ولما تأزمت الأمور فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى لم يجد عرفات بدا من الدخول فى المفاوضات المباشرة، والتى وصفها عرفات بـ"سلام الشجعان" وظل الفلسطينيون يعضون شفاههم ويقضمون أصابعهم بأسنانهم لأنهم لم يرتقوا لذكاء السادات وفطنته ودهائه عندما أجبر الولايات المتحدة على الضلوع بالمفاوضات وأجبر إسرائيل على الدخول فى معركة السلام التى خرجت منها مصر بانتصار ساحق .

 

ويأتى قرار مجلس الأمن 2334 ليضاف كرقم جديد إلى دولاب وأرفف المجلس، فيعد القرار 39 هو رقم من جملة القرارات التى بدأت بالقرار 57 فى عام 1948، الذى أعرب فيه مجلس الأمن عن الصدمة العنيفة لاغتيال وسيط الأمم المتحدة فى فلسطين آنذاك الكونت فولك برنادوت نتيجة عمل جبان اقترفته جماعة مجرمة من الإرهابيين فى القدس، وتوالت الانتهاكات الإسرائيلية، وتوالت القرارات من مجلس الأمن ومنها القرار رقم 101 الصادر بتاريخ 24 نوفمبر 1953 وفيه يدين مجلس الأمن هجوم إسرائيل على قبية بتاريخ 14-15 أكتوبر 1953، والقرار رقم 237 الصادر فى عام 1967 بتاريخ 14 يونيو وفيه يدعو مجلس الأمن إسرائيل إلى احترام حقوق الإنسان فى المناطق التى تأثرت بصراع الشرق الأوسط 1967، حيث يأخذ بعين الاعتبار الحاجة الملحة إلى رفع المزيد من الآلام عن السكان المدنيين وأسرى الحرب فى منطقة النزاع فى الشرق الأوسط، والقرار المهم هو القرار رقم 242 و الصادر فى سنة 1967 كنتيجة لاحتلال إسرائيل الضفة الغربية ومرتفعات الجولان وغزة وسيناء، حيث ورد فيه ضرورة انسحاب القوات المحتلة من الأراضى التى احتلت فى الصراع الأخير (حرب 1967)، والقرار رقم 271 لعام 1969 بتاريخ 15 سبتمبر يدين إسرائيل لحرق المسجد الأقصى فى يوم 21 أغسطس سنة 1969 ويدعو فيه إلى إلغاء جميع الإجراءات التى من شأنها تغيير وضع القدس، والقرار رقم 605 لعام 1987 بتاريخ 22 ديسمبر وفيه يشجب مجلس الأمن الممارسات الإسرائيلية التى تنتهك حقوق الإنسان للشعب الفلسطينى فى الأراضى المحتلة ويطلب من إسرائيل أن تتقيد فوراً وبدقة باتفاقية جينيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، والقرار الخطير رقم 673 لعام 1990 بتاريخ 24 أكتوبر يشجب رفض الحكومة الإسرائيلية أن تستقبل بعثة الأمين العام، ويحثها على أن تمتثل لقرار مجلس الأمن الدولى رقم 672 لسنة 1990، وأخيرا القرار رقم 2334 لعام 2016 بتاريخ 23 ديسمبر، الذى حث على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية.. كل هذه القرارات لم يكن لها أى مردود سياسى أو واقعى وذلك لفقدان الأمم المتحدة قدرتها وعدم وجود آليات لتنفيذ قراراتها إلا بموافقة أمريكا والدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن، ما يعنى أن الانتصار بقرار أممى هو انتصار على الورق فقط لكن الواقع يظل كئيبا مريرا.

 

فعندما قامت هيئة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم التى فشلت فى وقف الحربين العالميتين الأولى والثانية، قامت للحفاظ على الأمن والسلم والدوليين، لكن ميثاق الأمم المتحدة احتوى على تشكيل عنصرى فى مجلس الأمن بإعطاء صلاحيات مغايرة للأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن وهى أمريكا وروسيا بريطانيا وفرنسا والصين، ولا يمكن مرور قرار إلا بعد موافقة هذه الدول، وإذا ما استخدمت إحداها حق الاعتراض التوقيفى "فيتو" يصبح مشروع القانون هو والعدم سواء، وإذا صدر القرار فإن آلية تنفيذه تصبح فى عهدة وبيد هذه الدول وفى مقدمتها أمريكا، ما يعنى أن القرار سيضاف إلى صندوق القرارات دون مردود واقعى.. ولم تستطع الأمم المتحدة تنفيذ قراراتها على مدار تاريخها إلا مرات قليلة على رأسها الحرب على العراق حسب الباب السادس من الأمم المتحدة وهى استخدام القوة العسكرية المكونة من جيوش الدول المشاركة فى تلك القوة، وغير ذلك تصبح القرارات مجرد أهازيج نستخدمها فى أغانينا وأدبياتنا ومرثياتنا بأن هذا حقنا دون أن تكون لدينا القوة التى ندافع بها عن حقنا، أو يكون لدينا الذكاء لاقتضاء ذلك الحق.

 

ونحن لسنا ضد القرار 2334 أو غيره من القرارات، بل إننا نرى أن هذه القرارات هى الأمل الذى نتعلق به عندما لا يكون لدينا الثقة فى أن أرضنا ستعود بإرادتنا، والقرارات مهمة أيضا للمتاجرين بالقضية والذين يتعيشون عليها، لكن ما أبكانى حد النحيب، وأضحكنى حد السخرية أن العرب لا يتعلمون وفيهم ينطبق ما قاله موشى ديان "أن العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون"، فعندما أجلت مصر التصويت على مشروع القرار كانت تستهدف إجبار إسرائيل على الدخول فى مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين، وإلزام أمريكا برعاية هذه المفاوضات فى مناورة سياسية فريدة لا يدرك أبعادها الموتورين والمتآمرين، والمتاجرين بالقضية، فسقطوا فى فخ الغباء الذى يلازمهم، وعدم الفهم الذى يقبض على عقولهم، فقد أعلن الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب أن المفاوضات المباشرة هى السبيل نحو حل القضية، وأن مصر هى التى ستقود هذه المفاوضات، فكشفت المناورة الدبلوماسية المصرية عن خبرة غير محدودة فى العلاقات الدولية، وأثبت قدرتها على تطويع الأوراق والمواقف لصالح العرب، وكشف عن أن بعضا من العرب مازالو حتى الآن لا يفهمون، ولا زالت مصر تتعامل بأخلاقها وإخلاصها للقضية الفلسطينية باعتبارها الأب الشرعى للقضية دون النظر إلى الأنابيب والأقزام وعملائهم فى الداخل.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة