- كيف نستفيد من تجربة طوكيو فى حل أزمة تكدس المرور؟.."الكلاكس" ممنوع إلا فى حالة الخطر
- "السوشى" و"الساشيمي" و"سوكى ياكى"، و"التيمبورا" أشهر طعام المطبخ اليابانى.. والعيدان الخشبية "هاشى" بديلاً للشوكة والسكين
" أنا يابانيَّةٌ لا أنثنى.. عن مُرادى أو أذوقَ العطبا..أنا إنْ لم أُحسنِ الرممى ولم.. تستطع كفّاى تقليبَ الظُّبا... أخدم الجرحى وأقضى حقَّهم.. وأُواسى فى الوغى من نُكِبا".. هكذا وصف شاعر النيل حافظ إبراهيم الأمة اليابانية ممثلة فى هذه المرأة اليابانية فى قصيدته الشهيرة "غادة اليابان"، وهى الأمة التى تسعى لتحقيق مرادها او تموت دفاعاً عن وطنها.
ولعل الهجوم النووى على "هيروشيما وناجازاكى"، الذى شنته الولايات المتحدة ضد الإمبراطورية اليابانية نهاية الحرب العالمية الثانية فى أغسطس 1945، كى تستسلم اليابان استسلاماً كاملاً بدون أى شروط، إلا أن رئيس الوزراء الياباني وقتها، سوزوكى، رفض وتجاهل المهلة التى حدَّدها إعلان بوتسدام، يدلل على ذلك، حيث نهضت الأمة اليابانية مرة أخرى بعد هذا الدمار المروع، وقهرت المستحيل، وسارت على رأس الدول المتقدمة تكنولوجيا واقتصادياً، بل وتستضيف الأوليمبياد وأشهر البطولات الدولية.
الشعب اليابانى.. عملاق بأخلاقه
جال ذلك كله بخاطرى وأنا أرى هذه الأسطورة وهذا الشعب العملاق بأخلاقه، بمجرد وصولنا إلى مطار طوكيو، فى رحلة طيران وإرهاق استمرت 24 ساعة (دون مبالغة) منذ وصولنا إلى مطار القاهرة وإنهاء الإجراءات الخاصة بالسفر إلى اليابان ثم وصولنا الى مطار دبى "ترانزيت" لمدة 3 ساعات متصلة، ثم وصولنا إلى طوكيو بعد ذلك، حتى استقرار أجسادنا وحقائبنا فى فندق الإقامة.
والشعب اليابانى هو من أكثر الشعوب تمسكاً بعاداته وتقاليده العريقة، يمكنك مراقبة ذلك فى الحياة اليومية للمواطنين، حيث تتحول الشوارع إلى أسراب من الموظفين اليابانيين الذين يصلون فى وقت مبكر إلى مكان العمل، فهم شعب عملى ليس له مثيل، يتقن أعماله ولا يترك دقيقة من أوقات العمل فى لهو أو عدم تركيز، ولا يستخدم كذلك الموظف تليفونه المحمول فى أوقات العمل الرسمية، وتستطيع أن تلمس ذلك سواء كنت فى بهو الفندق أو من خلال معاملاتك العادية مع المتاجر والمطاعم وأماكن الصرافة فى المطارات، حيث إن هناك لافتات أمامك مكتوب عليها "يمنع استخدام التليفون المحمول" و"يمنع التدخين"، كما أن التدخين أمر منبوذ فى طوكيو بطريقة تفوق كل العواصم العالمية، فلا توجد أماكن مخصصة للتدخين إلا فى أضيق الحدود، وهو ما كان بمثابة أزمة كبيرة للمدخنين المصريين، الذين كانوا يقطعون مئات الأمتار فى شوارع طوكيو بحثاً عن زاوية مخصصة لإشعال سيجارة..!
ويستخدم اليابانيون اللقب لمناداة أى شخص، وليس اسمه الأول، كما يشتهرون بانحناءة رقيقة مصاحبة لابتسامة لتحية بعضهم البعض أو الضيوف، فالموظف ينحنى لمديره ورواد الفندق، كلما غدا عليهم أو راح، والبائع ينحنى للزبون فى الاسواق والمتاجر، حتى وإن لم تشتر منه بضاعته، وكلما تكررت الانحاءات فهذا تقدير واحترام أكبر.
بمجرد وصولنا مطار ناريتا الدولى، الذى يبعد عن العاصمة اليابانية طوكيو حوالي 65 كم فى الاتجاه الشمالي الشرقى، والحائز على المركز الرابع عالمياً فى العام 2008 من حيث عدد الركاب المسافرين؛ انبهرنا بانسيابية الحركة، ونظافة المكان، وأخلاق ضباط الجوازات وتعامل الموظفين والعمال، وهى من أشهر سمات الشعب اليابانى الذى يمتاز برقى الأخلاق والابتسامة الصادقة والجدية والكفاءة والإتقان فى إنجاز المهام.
ارتفاع أسعار متاجر وأسواق طوكيو بشكل جنونى
كان جدول الرئيس عبد الفتاح السيسى فى طوكيو مزدحماً، سواء بالمقابلات التى عقدها فى مقر إقامته بفندق إمبريال، أو خارج مقر إقامته فى مقر البرلمان اليابانى "الدايت"، أو مقر مجلس الوزراء، أو القصر الإمبراطورى الشهير الذى استُقبل فيه بحفاوة بالغة من قبل ولى العهد اليابانى، الذى أقام له مأدبة غداء تكريماً له وللوفد المرافق له؛ بحيث لم تكن هناك فرصة كبيرة للتجول بشوارع طوكيو، سوى سويعات قليلة للتعرف على شوارع ومتاجر وأسواق العاصمة اليابانية، المعروفة بارتفاع أسعارها بشكل جنونى، مقارنة بالمدن الأوروبية.
ورغم هذه السويعات، إلا أن تخطيط المدينة المنظم والمحكم، سهل علينا الكثير؛ ففى شوارع طوكيو لا ترى تكدسات مرورية مثل التى نراها فى القاهرة، ولا يزعجك أحداً بـ" كلاكس" سيارته، الذى يستخدمه سائقو السيارات عندنا بشكل هيستيرى، وقد أجاب مسئولون بالسفارة المصرية فى طوكيو على ذلك، بأنه لا أحد يجرؤ على استخدام "كلاكسات" السيارات إلا إذا كان يواجه خطراً أو مشكلة، فتحضر الشرطة فورا لمساعدته، أما إذا تبين لهم عكس ذلك فإن قائد السيارة يتعرض للمساءلة القانونية وغرامات قاسية، وهذا ما يبرر حرص الرئيس السيسى على الالتقاء بمحافظ طوكيو، للاستفادة من التجربة اليابانية الناجحة فى حل المشاكل والتكدسات والاختبارات المرورية.
اليابان واحدة من الدول ذات الكثافة السكانية العالية، حيث يبلغ عدد سكانها حوالى 127 مليون نسمة، ومساحتها 377.9 ألف كيلو متر مربع، وإجمالا الناتج المحلى 4.1 تريليون دولار أمريكى، بينما دخل الفرد فيها أكثر من 38 ألف دولار أمريكى فى العام، وعملتها الرسمية "الين" والذى يصل سعر صرفه مقابل الدولار نحو 120 ين منخفضا تدريجيا من عام 2013 حيث كان 80 ينا للدولار، وإجمالى احتياطى النقد الأجنبى فيها بلغ 1.26 تريليون دولار حتى يناير 2016.
مهرجانات طوكيو
فى منطقة "اساكوسا"، التى قمنا بزيارتها، وهى من مناطق حى تايتو، بالعاصمة طوكيو، يقع فى أساكوسا أشهر معابد البوذية سينسوجى ويعبر بجانب المنطقة نهر سوميد، ويوجد العديد من المنشآت الدينية فى المنطقة، حيث تقام العديد من الاحتفالات ذات الطابع الشنتوى فى أساكوسا، فتغلق الطرق لهذه الاحتفالات المميزة، ومن أشهر هذه المهرجانات هو سانجا ماتسورى"، الذي يعتبر أحد أكبر ثلاثة مهرجانات فى طوكيو ويعقد فى شهر مايو من كل عام.
وفى معبد "أساكوسا"، وهو معبد بوذى يقع فى أساكوسا والذى يعد واحداً من المعابد الأكثر شعبية فى طوكيو، تم الانتهاء من الهيكل فى 645 مما يجعله أقدم معبد في طوكيو، يقع أمام المعبد شارع للتسوق على طول 200 متر حيث تنتشر محلات بيع الهدايا التذكارية والملابس اليابانية الشهيرة وبعض المستحضرات والمأكولات، وهى منطقة جاذبة للسياح من مختلف الجنسيات.
ومن الطقوس العجيبة فى هذا المعبد، شاهدنا طابورا طويلاً ممتدا على نحو 100 متر، يقف فيه الشيوخ والنساء والشباب والأطفال، كُلُّ ينتظر دوره حتى الصعود على سلالم ثم الوصول إلى تابوت خشبى، تلقى عليه النقود المعدنية، ثم ينحنى له الشخص الذى وصل إليه ويضم يديه إلى وجهه فى خشوع تام، ليتلو بعض الترانيم البوذية وطلب البركة، وهى طقوس تستغرق من 20 ثانية إلى نحو دقيقة كاملة، كما يوجد ببهو المعبد صحن كبير ملئ برمال دافئة، يحرص البوذيون كذلك على وضع أيديهم عليه دون ملامسته وسحبها على أجسادهم ورؤوسهم طلبا للبركة.
الطعام فى اليابان
الطعام، هو أسوأ شئ يقابلك فى اليابان، خاصة إذا كنت من مجتمع شرقى مسلم، أو بالأحرى مصريا تعود على تنوع الخضروات وهى الطعام بطرق مختلفة، فهناك تنتشر لحوم الخنازير بكثافة، وأنواع الأسماك كثيرة لكنها معدّة بطريقة قد تنفرك منها، ومن أشهر الاطعمة اليابانية "السوشى"، وهو عبارة عن قطع صغيرة من المأكولات البحرية النيئة، مثل سمك التونة والحبار وتوضع فوق الرز المخلل، و "الساشيمى" عبارة عن سمك مقطع إلى شرائح رقيقة تؤكل مع صلصة الصويا، و"سوكى ياكى"، والذى يتم تجهيزه بطهى شرائح رقيقة من اللحم مع أنواع مختلفة من الخضار، و"التيمبورا" الذى يتكون من الجمبرى والسمك والخضار ويقلى فى الزيت بعد وضعه فى خليط من البيض والماء والدقيق.
وكما هو معروف، فإن اليابانيين يتميزون بتناول الطعام عن طريق عيدان خشبية تسمى "هاشى"، والتى تستخدم كشوكة وسكين.
كان لزاما علينا البحث عن مطاعم تقدم طعاما، على الأقل مقبولاً بالنسبة لنا، وهو ما حرص عليه الزميل أحمد يحى مندوب الهيئة العامة للاستعلامات المرافق للوفد الإعلامى المصرى فى طوكيو، حيث أقام بها 3 سنوات كاملة، ولديه شبكة من العلاقات المتميزة مع اليابانيين، كما أنه كان بمثابة دليل لنا لفك طلاسم الشعب اليابانى واستكشاف أماكن طوكيو الغريبة علينا.
اصطحبنا أحمد يحى فى جولة لمدة ساعتين بمنطقة "أوينو ستيشن"، وهى محطة قطار تقع فى حى تشيودا من مدينة طوكيو، بالقرب من قصر طوكيو الإمبراطورى وحى جينزا التجارى؛ والحى التجارى مزدحم بمحلات الأسماك والفاكهة والملابس ومستحضرات التجميل والأدوية والساعات والهدايا والجلود والياميش والمكسرات والحلويات، وكذلك محلات الأدوات المكتبية و"البلاى ستيشن" والألعاب.
فى هذا الحى التجارى تنتشر مطاعم المأكولات، وبينها عدد من المطاعم التركية التى تقدم ساندويتشات الشاورما " الحلال" من اللحم البقر والدجاج، وهنا وجدت مجموعتنا ضالتها، خاصة أن الأتراك لديهم القدرة على استكشاف "الزبون" العربى الذى يبحث فى "بوابة الشمس" عن طعام يعرفه ويستسيغه بعيدا عن المطبخ اليابانى "غير المألوف"، وهو ما ظهر على شباب هذه المطاعم الذين كانوا ينادون علينا ونحن نتجول فى هذا الحى التجارى، ليجذبونا نحوهم، قائلين بالعربية: " السلام عليكم.. مرحباً"، كنوع من "شد الزبون"، وبالفعل ارتحنا إلى هذا المطعم وتناولنا ساندويتشات الشاورما، البعض طلبها عادية، وطلبتها أنا حارة، حتى تهون علىّ من طعمها "الصعب" إذا ما تشابهت بالطعام اليابانى الذى يحاصرنا فى كل مكان، لكن بالفعل كانت " الشاورما" لذيذة، واتفقنا على العودة إلى هذا المطعم التركى مرة اخرى، لكن الوقت لم يكن فى صالحنا، حيث انتهت الزيارة إلى طوكيو، ولزم علينا حزم حقائبنا والوصول مبكراً إلى المطار كى نكمل الرحلة إلى كوريا الجنوبية.
وهذه حكاية أخرى..
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
Roma_20000@yahoo,com