لماذا لا تكتب عنى يا أستاذ؟ هكذا بدأنى ثم إذا به يتمتم بكلمات يصعب تفسيرها لأنها تتخلل تنهيدات كأن صاحبها يحمل جبل على صدره ويهم بالانصراف، فأستوقفه مسرعاً (ماذا بك أيها الرجل الطيب)، وما كل هذا الهم الذى بدأت آثاره تطفو على وجهك الصبوح، وأحاول أن أهدئ روعه بقولى الدنيا كلها لا تستحق الهم والحزن، ثم أطلب منه أن يحكى لى عن سبب هذا الحزن الذى يكاد يسيطر عليه، فيبدأ بكلمات لا تكاد تخرج من فيه بسبب تأثره الشديد.
يا ولدى ألم تشاهد رئيس أكبر دولة فى العالم ( الولايات المتحدة الأمريكية ) ؟ قلت له بالطبع أعرفه إنه (باراك أوباما) قال لى (هل رأيت لون بشرته ؟ ) قلت له نعم إنه ذو بشرة سوداء فهو إفريقى الأصل، فيقول هذا أكبر دليل على أن أولئك الناس فى تحضر ورقى فالإنسان عندهم بعمله وعلمه.
ويستطرد قائلا: لا تتعجب من سؤالى فالموضوع أكبر من ذلك بكثير فقط كنت أدلل لك كيف اتبع العالم النهج الصحيح للإسلام ومازلنا نحن كمسلمين نتعامل بعقلية الجاهلية، فبادرته مسرعا ( وكيف كان ذلك ؟ ) على طريقة كتاب ( كليلة ودمنة ) فيقول ( الم يساوى ديننا الحنيف بين الناس ؟ ) ويكمل قائلا الم يقل رسولنا الكريم ( إن صح عنه) أنا جد كل تقى ولو كان عبدا حبشى وبريء من كل شقى ولو كان حرا قرشى ) ؟
قلت له هذا شيء من مسلمات الدين فالفارق بين الناس التقوى ومقدار قربه من رب العالمين فلا فرق بين الناس بناء على لون أو جنس، ولكن لما كل هذه الأسئلة أيها الرجل الطيب ؟ فنحن فى وطن يستقى دستوره الذى يساوى بين المواطنين من شرع الله فالشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع فى وطنك.
يا ولدى لا تبحر بى فى السياسة أنا أتحدث فى موضوع بسيط لكنه أساس قيام أى دولة وهو العدل ( فإن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ) يا ولدى أنا مواطن بسيط ورجل فقير، ولكن فقير بشرف فلم أتاجر فى المخدرات ولم انهب أراضى الدولة ولم اغتنى من الانفلات الأمنى الذى واكب ثورة يناير وما بعدها وولدى اتمم دراسته بتفوق عن اقرأنه من أولاد البهوات ففوجئت يا ولدى أن الدستور الذى تتحدث عنه والذى يساوى بين المواطنين لا ينطبق علينا.
فجميع الوظائف والمراكز المهمة فى الدولة محجوزة لأبناء الأكابر بل هذا ما صرح به ( علية القوم ) أما ابن الفلاح أو الفقير فحتى لو اجتهد أو تفوق فيجب آلا يتعدى حدوده رغم علمهم أن رسولنا الكريم كان ( راعى غنم ) ولكنه قاد أمة وأصبح أعظم شخصيات التاريخ لكننا يا ولدى نتشدق بالإسلام ولا نطبقه وندعى أننا نتبع منهاج نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ولكننا لا نطبق مما قاله شيئا.
تركت الرجل ينعى حظه وجلست أردد فى نفسى ( معك كل الحق أيها الرجل الطيب البسيط ) فالعالم اجمع يحاسب الشخص على فعله هو ولكننا مازلنا نفييء الناس على أساس الغنى والفقر والحسب والنسب، فرغم أهمية الأصل الطيب عندى إلا أنه ليس هو مقياس كل شيء فأبن نبى الله ( نوح ) عليه السلام كان كافراً بل أنزل الله سبحانه سورة فى ( عم ) نبينا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) وهى سورة ( المسد ) فالأصل والأسرة العريقة لم تكن مانع من أن يخرج منها المنحرف، وبالمثل فالفقر ليس مقياس على سوء فى صاحبه بل الفقير المجتهد يكون صاحب عطاء فى العمل يفوق أقرانه لأنه جرب مرارة العيش.
أعلم يا عزيزى القارئ المحترم أننى أطلت عليك، ولكن هذا الموضوع لا يخص فردا فى المجتمع فقط بل هو أمر من أهم مقومات أى دولة للتقدم والرقى ألا وهو العدل، فالعدل ( أساس الملك ) وكلما كانت هناك عدالة اجتماعية وجدت مجتمع متماسك يساهم الجميع فى بنائه لأنهم يعلمون أنهم شركاء فى النجاح والفشل.
ميزان العدل
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة