التفت فإذا بمن حوله منبهرين معجبين به، فهتف بأعلى صوته أنا صينى، أنا صينى، كأنه يقول يا أيها الناس أنا ذلك الذى كنتم منه تسخرون أنا ذلك الذى كنتم من قبل تنعتونه بالآسيوى القذر، أنا أنا بذاتى بثقافتى بأسيوتى سلبت انتباهكم وأجبرتكم على احترامى، واحترام ما لدى، ها أنتم اليوم تقفون إعجابا بى، فأنا اليوم البطل، بطل بقوميتى، بطل بثقافتى، بطل لانى تمسكت وبفخر بما كنتم به من قبل مستهزؤن، وما كانت صيحته هذه إلا لكونه على يقين بأن قوميته هويته ثقافة شعبه لها الصدارة والجدارة وإن تغرب فى بلاد الأرض.
معنى حصلته من مشهد فى فيلم "قصة حياة بروسلى9" وقفز إلى ذهنى بهذه الصورة، لما طلبت منى تلك الطفلة الطالبة بالمرحلة الإعدادية مساعدتها فى تلخيص مجموعة من القصص، وكنت ابتداء أشعر بالسعادة لأجل ذلك وممتن جداً لأن المدارس توجه طلابها نحو القراءة، لكن كانت صدمتى لما طالعت القصص المطلوب تلخيصها، غلافها مزين بعبارة "هدية الشعب الأمريكى" إحدى القصص بعنوان " جميلة وفى الأحلام"..... فتى أحلام لطالبة فى المرحلة الإعدادية !!! وأخرى تحكى عن ملك لم يكن له ذرية، فأشاروا على زوجته بأكل تفاح مخصوص يسمى تفاح الولادة وما أعجب باقيها، ولا أساطير ألف ليلة وليلة.
بمثل هذه التصرفات نصر على إخراج جيل مفتقد للهوية تخالط روحه هزيمة وازدواجية، فهو لا يعرف من واقعه المحيط قدوة صالحة يقتدى بها، ولم يعلم من تاريخ أمته غير قصص لأبطال وهميين كالشاطر حسن، وذلك الذى أكمل عدد الحرامية إلى 41 على بابا، وهذا الذى صنع مجده بفانوس سحرى وبساط ريح فالأبطال المراد لنا ان نعرفهم إما أن يكون عاشق مجنون، أو لص، أو كسول ينتظر ان يجد الكنز، ألسنا وبأيدينا من نصنع الإنسان التافه المضطرب الذى ضره أكثر من نفعه.
ألسنا نحن من فرض على هذا الجيل وعلى أنفسنا قشور الثقافة، ورضينا بفضول الموائد كى لا نكلف انفسنا عناء الطبخ.
ألسنا من فرض على هذا الجيل وعلى أجيال قبله جهلاً بتاريخه الحقيقى، وفى ذات الوقت نردد دائما عبارات هى فى الأصل صادقة لكن لم نقدم فى الغالب للمستمع دليل عليها "نحن خير أمة - نحن صناع الحضارة - نحن من علم الدنيا" كل هذا دون واقع يشهد وفى ظل تاريخ فرض علينا ان نجهله.
وهكذا تصنع الازدواجية واللاهوية، ونصنع لبلدنا صنفان من الناس منتسب جاهل، ومارق ينتظر الفرصة.، فإذا هوجمت أمته وتاريخها، بادر الأخير بالترحيب قائلا ها أنا أول المصدقين، فأعينونى بقوة اجعل بين قومى وبين تاريخهم ردما.، وتأخذ الأول العزة لماض أمته الذى لا يعلم منه غير أنه وجد أباؤه يمجدوه، فلا يجد فيما لديه ما يدفع به تهكم المتهكمين، ولا ما يقيم به الحجة، فيضيق ذرعاً وتطوع له نفسه اتخاذ العنف سبيلاً للرد والمقاومة.
وكأننا نزرع لنجنى ثماراً تسقط سريعاً لأنها عفنة فيا دموع القطر سيلى دما... ويا بنات الأيك نوحى معى.
ورقه ووقلم - أرشيفية