الحقيقة من وجهة نظرى أن مصر قامت بثورتين غيرت فيهما نظامى حكم، وأصبح للشعب صوت مرتفع يستطيع به أن يغير وأن يفرض على حكامه احترام كرامته «إلى حد ما»، لكن الشعب نفسه لم ينظر إلى أخطائه، ولم يستطع كثيرون مواجهته بسلبيات كثيرة أصبحت عادة وعرفا يعيش معنا ونتوارثه جيلا بعد جيل، ولا توجد حكومة بالعالم تستطيع إصلاحا دون إرادة من الشعب نفسه، ومن هنا يحتاج الشعب إلى ثورة على سلوكياته السيئة هو بنفسه الذى يشعلها ويضمن نجاحها.
الحكومة جزء من الشعب، والإعلام جزء من الشعب والشرطة والقضاء والجيش كلنا وأخواتنا وأبنائنا نكوّن هذه المؤسسات، ومدارسنا وجامعتنا هى التى تعلمهم بالمناهج التى وضعناها، وبالأساتذة الذين أهلناهم كى يقوموا بهذا المهمة، والمنتج النهائى يكون المجتمع بكل أطيافه.
ولنبدأ برئيس الدولة، المفترض فى أى رئيس دولة أن يكون طاهر اليد ومخلصا لبلده، ثم يجتهد قدر استطاعته كى يحقق العدل والتنمية لشعبه، وعليه دور كبير فى الثواب والعقاب، وعليه أن يقف مع المظلوم أمام الظالم أيًا ما كان، وأن يقف على مسافة واحدة بين كل أطياف شعبه، وأن يدقق فى اختيار معاونيه، لكن عندما ترفع قضية إلى الرئيس من يحكيها ومن يرويها؟ وأى ورق يقدم إليه؟ وأى حقائق تنقل إليه؟ ومن الذى يساهم فى توليد قناعاته؟
موظف الدولة والوزير ورئيس الحكومة كل هؤلاء لا يمكن فصلهم عن رئيس الدولة، لأنهم جزء من صنع القرار، كل هؤلاء يعملون وعملهم فى النهاية يمثل أداء الدولة، وكل هؤلاء هم نتاج هذا المجتمع بنفس درجة تعليمه وثقافته وانضباطه، من يصارح رئيس الدولة بالحقائق دون خوف على المنصب، أو دون التخلص من نظرية أن ما يقوله رئيس الدولة كله صحيح، من يدقق فى التقارير التى ترفع، ومن يقوم بتنفيذ المشروعات بضمير ومن يحافظ على المال العام.
أحيانا تدفع الدولة بأكملها ثمن خطأ أمين شرطة، أو ضابط أو صحفى أو إعلامى أو طبيب، ويثار الأمر فى المجتمع وكأن الدولة هى التى أخطأت، حاسب الدولة على كيف تعاملت مع هذا الخطأ، لكن لا يمكن أن تحاسبها وحدها على أنها السبب الوحيد فى حدوثه.
نحن من نصنع بأنفسنا هذا.. أصبح كل منا يريد أن يأخذ حقه حتى لو كان على حساب الآخرين. لازالت الوسطة والمحسوبية والقرب من مركز اتخاذ القرار هى الحاكم. لازالت الرشوة موجودة، والمصالح تتصالح على حساب أى شىء حتى وإن كان الصالح العام.
انظر إلى أشهر الأخطاء التى مرت بنا طوال الفترات الماضية، كم منها كان نتيجة إهمال؟ كم منها كانت نتيجة قلة الضمير؟ كم نعانى من الكسل فى العمل؟
لا تظن أننى أكتب هذه السطور كى أبرئ الحكومة أو حتى رئيس الدولة مما نحن فيه، لكن هى نظرة للواقع، من هو الذى يستطيع التغيير لشعب لا يريد التغيير، لناس أرادت أن تتكلم دون أن تفعل، الإرهاب يقتل منا العشرات والإهمال يقتل منا المئات.
فكر فى الجهاز الحكومى فى الدولة أكثر من ستة ملايين موظف، هل كل منهم يؤدى عمله بما يرضى الله؟ ألم تسمع عن واحد فى عائلتك لا يذهب لعمله لأن فى حد بيوقع مكانه حضور وانصراف؟ ألم تر كل يوم قرايب لك وأصحاب بيخلصوا شغلهم لأن معارفهم كتير، ولأن إيدهم سخية؟ أنت شخصيًا وأنا ما بنرفعش التليفون عشان نكلم حد لو عاوزين نطلع بطاقة أو رخصة أو نشيل مخالفات المرور؟ كل دى حاجات كلنا بنعملها وأصبحت مش عيب، بل بالعكس البعض ينظر للواصل ده على أنه مصدر قوة ولازم التقرب منه.
وبعيدًا عن الجهاز الحكومى انظر إلى طريقة القيادة فى الشوارع، إلى نظافتها، إلى التعديات على الأرصفة، إلى البناء بدون ترخيص، الذى ضرب رقمًا قياسيًا فى السنوات الماضية من فعل كل هذا؟ الشعب اليابانى احتل مصر وعمل كده! ولا المصريين أنفسهم هم الذين فعلوا ذلك ببلدهم؟
هاروح معاك لمثال أبسط من ذلك، إلى كل ست مصرية فى بيتها كمية الطعام الهالك اللى بيخرج من بعض البيوت المصرية يكفى لسد احتياجات كتير من أبناء بلدنا المحتاجين، الشراء الزائد عن الحد للسلع الاستهلاكية أصبح ظاهرة فى كثير من البيوت المصرية فى الوقت اللى بيوت تانية مش لاقية الحد الأدنى من الحياة، أستطيع أن أضرب لك مئات بل آلاف الأمثلة على قلة الضمير وتحالف المصالح والنظر للمصلحة الضيقة من يغير كل ذلك؟ الرئيس وحده؟ الحكومة وحدها، أم كلاهما ومعهم شعب يريد التغيير الحقيقى.
طيب وهل نحن على استعداد للإصلاح؟ الغريب أن الشعب ده بيكون بطل خارق فى مواقف معينة، ثم تتحول البطولة إلى فشل دائم فى مواقف أخرى، لكن دائمًا ما يترك انطباع حقيقى أنه يستطيع أن يغير.
المشكلة أن هناك جريمة لا يحاسب عليها القانون اسمها جريمة نفاق الشعب، ودى إن حضرتك تكون كاتبا أو إعلاميا أو مسؤولا أو شخصية عامة وعشان خايف على شعبيتك أو نجوميتك فالبطولة إنك تخبط فى الحكومة وما تجيبش سيرة أى انتقاد للشعب، لا كفاية بقى، أيوة كل الحكومات عندها أخطاء، وكتير من الوزراء أداؤهم غير مرضٍ، وحتى رئيس الدولة مش بالضرورة يكون موفق فى كل الأمور، لكن لازم يبقى فيه وقفة مع الناس أصحاب البلد اللى هما شركاء حقيقيين فى نجاحها، لكن كيف تكون البداية؟
البداية تبدأ «بالعدل، ثم العدل، بالثواب والعقاب، بالجزاء من جنس العمل»، أتذكر يوم أن تم تطبيق المخالفات على ربط الحزام ووجدنا ضباط المرور فى الشارع كله لبس الحزام، للأسف كثير منا يحتاج لرؤية العقاب «بالعدل»، كثير منا يحتاج أن ينتقص من راتبه لأنه لا يعمل ونعطى زيادة لراتب من يعمل، وتوضع قاعدة للجميع لا يمكن اختراقها «الأجر مقابل العمل»، كذلك من يخالف فى الشارع، أو فى أى مكان تؤخذ منه غرامة قاسية، وصدقنى لن تجد هذه المخالفة مرة ثانية «برضه بالعدل». لا تتخيل أن الالتزام بقواعد المرور فى أوروبا مثلًا سببه أنهم لا يستطيعون الإفلات من العقاب، بالعكس كثير منهم يقف فى إشارة المرور فى ساعات متأخرة من الليل ويحترمها دون أن يكون معه أى أحد، لا تتخيل أن بفضل ذكاء وعبقرية حكومة اليابان استطاعت أن تكون من البلاد المتقدمة، أبدًا، الحقيقة هى أن الشعب اليابانى هو الذى يصنع هذا التقدم.
مين اللى اخترع فيسبوك أوباما ولا مارك؟ شاب بعلمه وذكائه أصبح لديه مليارات ودخل العالم كله فى عالمه الخاص الذى اخترعه.
بقولك إيه سيبك من الكلام اللى أنا كاتبه ده وأنت قريته هى ناقصة فلسفة، خليها ماشية زى ما هيا.. أهو لو قلت كدة للأسف مش هاتفضل حتى زى ما هى لو أنا وأنت فضلنا كده وبكرة أفكرك، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
موضوعات متعلقة:
- خالد أبو بكر: لو لم يتخذ البرلمان موقفا حاسما ضد عكاشة فـ"العقاب من الشعب"
- خالد أبو بكر يكتب : عن القضاء المصرى أتحدث بكثير من الأدب وقليل من الصراحة.. من قال إن العدالة قاضٍ فقط؟ هى منظومة بها أطراف كثيرة يصوّبها ويتحمل أخطاءها القاضى