هناك أسئلة كثيرة غير مهمة عن الثورة وهناك مشاعر متضاربة ناحيتها. هذا المقال لا يتكلم عن هل هى ثورة أم مؤامرة، بل يحاول أن يبحث كيف نبنى بعدها.
قامت الثورة أساسا للقضاء على الفاسدين ،ولن أتكلم كثيرا عن سذاجة هذا التفكير حتى لو كان جزء منه حقيقى. ومع مرور الوقت تطور فكر الثورة للقضاء على الفساد بدلا من القضاء على الفاسدين.
فبعد التخلص ممن سميناهم بالفاسدين لم نجد الحل الأفلاطونى الذى قامت عليه الثورة: نبعد الفاسدين فينصلح الحال ويسود الرخاء، وبدون الدخول فى التفاصيل فهذا لم يحدث، فقد بقى الفساد حتى بعد إبعاد المفسدين، إذا المشكلة فى الفساد المتفشى فى البلد من أولها إلى آخرها، فأنتقلت المشكلة من مشكلة جزء من المجتمع إلى مشكلة مجتمع، المشكلة فينا (الفساد) وليست فيهم (الفاسدين).
تطورت الفكرة مرة ثانية ونظرنا حولنا قبل وبعد الثورة. رأينا أننا نكرر كثيرا كلمة متخلف أو متخلفين. وهنا أنتقلنا من الفساد لأسباب الفساد. أول ما قابلنا هو التخلف. فأسمع كم منا يتكلم عن أنهم (يقصد نحن) متخلفون. سواء كان هذا فى الطريق وأسلوب القيادة أم فى استخراج الأوراق والتصاريح أو حتى فى العمل أو فى المدرسة وطرق التدريس.
فما معنى كلمة التخلف؟ لها معانى كثيرة. أهم معنيين بالنسبة لنا هما ما أسميهم بالتخلف الحضارى والتخلف الزمنى.
التخلف الزمنى أعنى به التأخر فى استخدام الابتكارات، والأمثلة كثيرة أكثر من أن تحصى. وينبع هذا التأخر أساسا من خوفنا من المجهول خوفنا من كل ما هو جديد. فكيف نسمح بزراعة الأعضاء، كيف نسمح بموسيقى الراب وتأثيرها السيئ. ومع مرور الوقت نتقبل ما كنا نرفضه ويصبح جزءا من حياتنا. يذكرنى هذا بالكلمة المشهورة فى السينما المصرية: "كلمتى متزلش الأرض أبدا- معلهش هتنزل المرة دى". هذا عن استخدام الابتكارات الوافدة علينا الخارجية فما بالك بإبتكاراتنا، توءد قبل أن تولد. فلا شك إنك ستجد صعوبة مثلى فى تذكر ما هى ابتكاراتنا التى استفدنا منها وأفدنا بها البشرية.
أما التخلف الحضارى فهو فى عدم استخدام الابتكار نفسه مع وجوده وتقبله أو الاستخدام الخاطئ للابتكار. مثلا عدم احترام إشارة المرور. والسبب هذه المرة ليس الخوف من المجهول. البعض يرى أن السبب هو إنعدام الأخلاق، أو الإحساس بغياب العدالة، عدم اتباع صحيح الدين وغيرها من الأسباب مجتمعة أو مفردة.
وأغلب مساعينا تنحصر فى التغلب على التخلف الحضارى. فالكل يحاول القضاء على التخلف الحضارى، سواء تكلمت مع دعاة الحل الدينى أو من اليساريين أو الليبراليين أو من يطلق عليهم الفلول. وبدأنا وسنبدأ كثيرا من المبادرات للقضاء على التخلف الحضارى. لا أهتم كثيرا ببدء كل هذه المساعى فقط أيقظونى عندما نقضى عليه.
وفى رأيى أن الشعب المصرى أثبت أكثر من مرة أن لديه الرغبة القوية للتغلب على التخلف الحضارى (والرغبة وحدها لا تكفى) أذكر منها أحداث الأمن المركزى عام 1986 فى ظل غياب كامل للشرطة وقبل نزول الجيش لحماية الممتلكات. فلم تحدث يومها سرقات جماعية أو ما شابه وإنما أحس وتصرف الشعب يومها بمسئولية وحضارة كبيرة. وأيضا لا ننسى حالة أيام الثورة وما بعدها حيث أرادت الغالبية أن تعيش فى كرامة وديمقراطية.
كما أثبتنا رغبتنا فعلى الجانب الآخر أثبتنا عدم قدرتنا على محاربة التخلف الحضارى. ولذا فأنى أدعو أن نوجه مجهوداتنا لمحاربة التخلف الزمنى أولا. وستتغير عادتنا وقوانيننا بالتالى وسيأتى التقدم الحضارى بعدها.
تبدو عملية التحول من محاربة التخلف الحضارى لمحاربة التخلف الزمنى عملية سهلة. ولا أراها بهذه السهولة. فهى تحتاج لأكثر من إعادة التفكير فتتطلب أن نبدل منطقنا المرتبط بما حدث فى الماضى لتفكيرنا بما سيحدث فى المستقبل.
فبدلا من التفكير والاختلاف المبنى على المنطق والتجربة والخطأ ودراسة ما يناسبنا بناء على قوتنا وضعفنا والفرص المتاحة والمخاطر، بدلا من كل ما تعلمناه، علينا أن نفكر أولا كيف سيكون المستقبل سواء أردنا أم لم نرد ثم نذهب إليه بأسرع ما يمكن!
فلنأخذ التليفون المحمول مثلا. فمن كان يتصور أن هناك ضرورة له فى مجتمعنا سنة 1990؟ وبالتأكيد لن يستخدمه سوى علية القوم وأغنى الأغنياء، فلماذا كل هذا الترف والبذخ ونحن من الدول الفقيرة. أليس أولى أن نوجه استثماراتنا فيما هو أفيد كالتعليم والصحة؟ ولا داعى أن أذكر الواقع اليوم حيث لا يمكن بسهولة تخيل الحياة بدونه. فبدلا من أن نفكر فى أهمية وضرورة التليفون المحمول كان علينا أن نفكر كيف سيكون المستقبل ونكون من السباقين فى نشره بدلا من أن نكون من التابعين المتأخرين.
واليوم نعرف أن السيارات ستصبح ذاتية القيادة فى أقل من 10 سنين. ونعرف أن الطاقة المتجددة هى المستقبل القريب ونعرف أن وسائل الاتصال ستزداد سرعة ونعرف أن الروبوت سيغزو المصانع وحياتنا قريبا جدا (نظرا للتقدم فى الذكاء الصناعى وكم المعلومات المتاحة). فهل نفكر بمنطق الحاضر والماضى الذى يتصور أن فى مقدوره أن يختار ويتساءل ما الذى ينفعنا وما هو تأثير كل هذه الإبتكارات على حياتنا وكم منا سيفقد وظيفته، الخ الخ أم سنفكر فى كيفية الإستفادة من هذه الإبتكارات التى سنستعملها وستصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا تماما كالمحمول؟
وأخيرا مهما كان موقفك من الثورة فلا شك أنها خير دليل على أن المجتمع بحاجة لتغيير حقيقى لم يأت بعد والتغيير الذى أدعو هو تغيير يسابق الزمن يحمل قيم ومفردات المستقبل ولا يعتبر أن أى حل كان صالحا منذ 30, 40 عاما أو أكثر أو أقل مازال صالحا اليوم.
خالد زهير يكتب: 25 يناير.. من الثورة على الفساد للثورة على التخلف الزمنى
الأربعاء، 09 مارس 2016 08:03 م
ميدان التحرير
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة