يحتفى الكاتب محمد رفيع فى مجموعته القصصية الأحدث "عسل النون" بالأنثى، بداية من إهداء الولوج، ثم المفتتح "يا نون، يا حبلى بنقطة التكوين"، حتى إهداء الخروج، واحد وعشرون قصة قصيرة تختلف فى طريقة السرد وطرح الفكرة لكن يبقى "السؤال" السمة الأساسية الغالبة فى النصوص، فـ"رفيع" لا يكتفى أبداً بسرد الحكايات ليمتع القارئ، بل يدفعه دائما نحو فوهة الأسئلة التى يطرحها داخل النص، ويعمل الكاتب محمد رفيع على خلق نص ذى عدة مستويات، أهمها البعد الفلسفى والصوفى، علاوة على اللغة وتناول الفكرة من زاوية مختلفة وجذابة وهو الأسلوب الذى يعتمده رفيع فى كتاباته بشكل عام على سبيل المثال مجموعته القصصية "أبهة الماء".
وتأتى "نصف مسافة" لتشكل حالة روائية خاصة، تجمع بين البساطة والعمق الشديد، من خلال شخصياتها، فتبدو الأحداث المتأججة لثورة الخامس والعشرين من يناير، قد بلغت ذروتها فى اليوم الثامن عشر، يومها الأخير بميدان التحرير، كخلفية سياسية تغلف أحداث الرواية، وتلقى بتأثيراتها على السلوكيات الاجتماعية للشخصيات، بحيث تضعنا أمام مجموعة متعددة من الأنماط الاجتماعية، تمثلها إحدى شخصيات الرواية.
تأتى الرواية فى أجواء تُغلفها أسطورة شتاء جاثم تليد، وأسطورة طائر رسمه الجندى على الأرض ثم سرعان ما نبت له جناحان عظيمان، يبدأ الجندى رحلة عودته إلى المدينة الخارجة التى يهفو إليها، رحلة يسيطر عليها التشويق، ويُغلفها الأمل، ويُبطنها الغناء الشعرى الهامس، ويرعاها وجه منير يسكن الأعالى، لكنه يبدو مُحَدِّداً لخط سير الجميع، ويبزغ على سطحها الصراع الداخلى للجندى بين رغبته فى اللحاق بموعد عودته إلى الجيش، وبين ما يجرى بعيداً فى القاهرة، وتهفو نفسه إلى المشاركة فيه، صراع يستدعى الماضى القريب، إلى الحاضر المُعاش، بلغة راقية، وتكثيف مميز، قادران على رسم حالة إنسانية شديدة البساطة والعمق فى آن، تتقلب بين العشق المستحيل والنزوة المأمولة، فى تلك المسافة الغائمة بين الموت المحتمل والحياة المتربصة.
موضوعات متعلقة..
- أحمد أبو خنيجر وعلاء خالد فى "ليالى النيل الثقافية"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة