عيد خليفة يكتب: تيَّار الوعى فى رواية عمار على حسن الأخيرة "باب رزق"

الأحد، 24 أبريل 2016 12:00 ص
عيد خليفة يكتب: تيَّار الوعى فى رواية عمار على حسن الأخيرة "باب رزق" غلاف رواية "باب رزق"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمثل تيار الوعى إحدى تقنيات التجريب التى يستطيع الكاتب من خلالها التغلغل إلى ذات شخوصه، وثبر أغوارها خاصة بعد انفتاح النص الروائى على عوالم الوعى واللاوعى. وتيار الوعى مصطلح ابتكره عالم النفس الأمريكى " وليام جيمس"، ثم اعتمده نقاد الأدب لوصف نمط السرد الحديث الذى يعتمد هذا الأسلوب فى تشكيله السردى، وهو يدل على التدفق والانسياب المستمر للأفكار داخل ذهن الشخصية.
وقد تنوعت طرق تقديم تيار الوعى فى رواية "باب رزق"، فشملت المونولوج الداخلى، والاسترجاع أو الفلاش باك، والتداعى الحر. ومن صور المونولوج الداخلى فى الرواية ما سرده (رفعت) بطل الرواية عن تآلفه مع صوت صاحب العقار الذى يقطن فيه " تآلفت أخيرا مع صوته الأجش، لأننى وقعت فى غواية ابنته الفاتنة، وكان يطربنى حديثه عن فتاته القديمة التى سمى حبيبتى على اسمها، ويقول عنها دوما فى ثقة بالغة: تشبهها تمامًا.. لكنه تآلف نما كأشجار برية بلا عناية منى، وكان نموه فى روحى لأننى ببساطة همت عشقا بالوردة بائعة الورد، أو هكذا ظننت فى لحظة ضعف شديد"، فهذا المونولوج يفصح من بداية الرواية عن اغترابه النفسى فى بيئة لم يكن ليقم بها لولا ظروفه الصعبة التى اضطرته للعيش فيها؛ فهو الشاب المثقف الذى أتى من قرية بعيدة من صعيد مصر ليحصل على الدكتوراه فى الفلسفة، ويسكن فى منطقة عشوائية يتحايل شبابها على التقاط أرزاقهم بطرق غريبة. ووسط هذا البؤس تولد قصة حب ناقصة بين "رفعت" وابنة صاحب العقار التى راح "رفعت" يفكر فيها كثيرًا، ويشرد فيها مفكرًا "رأيت وجهها مرسومًا على كل جدار حتى الشامة فاحمة السواد بانت أمام عينى كحبة توت ناضجة، شاردة من غصن طويل يهتز وديعا فى ضوء قمر الليلة الرابعة عشرة من الشهر العربى".

كان (رفعت) يمنى نفسه أن يصبح فيلسوفاً شهيراً وكاتباً صحفيًا، وكان كثيراً ما يسترجع فى ذهنه استهانة أصدقائه القدامى بأحلامه وبالفلسفة التى أحبها؛ فكان يهرب إلى الحقول، ويجلس تحت شجرة النبق " أجلس عند الجذع، وأناجى الفروع بما أعلم ولا يفهمه كل من يعيشون حولى، ويتعاملون معى وكأننى كائن أسطورى جاء من أزمنة سحيقة لكنه بلا فائدة تذكر. . أسطورى لكنه ليس كالعنقاء التى تقاوم الفناء " ؛ فهذه الأفكار التى تدفقت فى ذهنه، والتى استرجعها من قعر الذاكرة تعد من تقنيات تيار الوعى، وهى تبين عن شدة مرارة الواقع الأليم الذى يعيشه؛ فذكره هذا الواقع بما كان يجرى له فى قريته حيث عداء أصدقائه له بسبب أفكاره العميقة، فكان يهرب منهم إلى الحقول ليصنع من فروع شجرة النبق معادلا موضوعيا لأصدقائه ؛ فيحدث فروعها بما لم يفهمه من حوله، حتى أنه رأى نفسه طائرا أسطوريا، وفى هذه الرؤية سخرية سوداء من عدم تقدير الآخر له ولطموحه، ولاستهانته بقيمة الفلسفة أم العلوم.
ومع شدة احتياج (رفعت) للمال؛ يرضخ لكلام صاحب العقار، ويشرع فى الإنشاد فى الحافلات والقطارات، وبعد مرور أيام من عمله فى هذه المهنة يعجز عن تفسير ما وصل إليه حاله من ضياع وانكسار " وتزاحمت الفلسفات فى رأسى، وبدت عاجزة عن تفسير ما انتهى إليه حالى، وحاولت أن أصفى ذهنى حتى أتبين موضع قدمى، لكن الكدر لم يذهب عنى، وشعرت أن ذاكرتى تتشقق كالأرض الشراقى، ويتساقط كل شئ فى ناحية " ؛ فالمتلقى يشعر من خلال هذا المونولوج بما يعيشه (رفعت) من أزمة واضطراب نفسى بسبب ما وصلت إليه حاله؛ فقد تزاحمت فى عقليته كل ما تعلمه من فلسفات، ولكنها تعجز عن تفسير حاله، وهذه مفارقة ساخرة من واقعه، وما انحدرت إليه نفسه حين عمل فى مهنة هى أقرب للتسول منها من عمل شريف خاصة إذا وضع المتلقى فى حسبانه البيئة الصعيدية التى نشأ فيها (رفعت) والتى تأبى عمله كمنشد فى القطارات والحافلات يتسول الركاب البسطاء بإنشاده مقطوعات من المدائح الدينية وهو يمرق بين صفوفهم.
ومع مرور الأيام يعتد (رفعت) على ما لم يكن يتوقع أن يفعله، ويتسول كبار المعزين الخارجين من سرادقات العزاء الخاصة بالأغنياء عند مسجد الحامدية الشاذلية، وذات يوم تراه زميلة له فى مرحلة الدراسات العليا، وتنادى عليه ؛ لكنه يفر هارباً من أمامها "يا لمصيبتى! أى رفعة لمن تمنى فى هذه اللحظة أن تنشق الأرض وتبلعه، ويكون نسياً منسياً. شعرت بأن اسمى عالة على، ولا علاقة لى به، وأن كل شئ ضاع من يدى، أسماء والعمل، وربما دراستى؛ فبأى وجه يمكن أن أقابل من ظنت بى خيرا"؛ فهذه النماذج التى توقفنا عندها تبين لنا عن دور تيار الوعى فى الكشف عن شخصية بطل الرواية المأزوم، الذى وقف كل شىء ضده، ولم يحقق شيئاً مما جاء من أجله إلى القاهرة، فلم يحصل على الدكتوراه، ولم يصبح فيلسوفاً ولا صحافياً كما كان يحلم ؛ إنما توالت المفاجآت فى منتصف الطريق لتحدد مصيره، لينتهى الأمر بخديعة كبرى من صاحب العقار وابنته وأولاده ؛ فلا يجد بداً من الزواج من ابنته "سميرة" بائعة الورد، وبعد أسبوع من زواجهما يمد إليه والدها يده بمبخرة ويقول له: اسع على رزقك.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

مصطفى سالم عبد العظيم

رواية بديعة جداااااااااااااااااا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة