هكذا تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين فى مذكراته عن أيامه، وقت أن كان زعيما لعصابة «الأرغون»، وهى العصابة التى انشقت عام 1931 عن عصابة «الهاجاناه» «عام 1921»، واشتهرت العصابتان بارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين لإجبارهم على الخروج من أرضهم واحتلالها من الصهاينة، وكانت مدينة «يافا» واحدة من هذه المدن، وهى المدينة التى يحتفظ بها الوجدان العربى كرمز يحمل القلوب إلى أرض فلسطين ومدنها التى ضاعت فى حرب 1948 بين الجيوش العربية والعصابات الصهيونية، وانتهت بهزيمة الجيوش العربية وإعلان دولة إسرائيل فى 15 مايو 1948.
قال «بيجين» عبارته السابقة عن غارات عصابته عام 1947، فى دلالة على تتابع الغارات الوحشية من جحافل العصابات الصهيونية على المدن والقرى الفلسطينية قبل حرب 1948، وكانت «يافا» واحدة من هذه المدن التى تتواصل عليها الغارات، حتى سقطت فى مثل هذا اليوم «26 إبريل 1948»، بعد أن بدأ هجوم عصابة الأرغون بزعامة مناحم بيجين عليها ومعها عصابة «الهاجاناه»، فى ليل 25 أبريل، وامتد إلى اليوم التالى حتى استسلامها، ووفقا لكتاب «مأساة فلسطين بين الانتداب البريطانى ودولة فلسطين» للدكتور أحمد زكى الدجانى (دار المستقبل العربى - القاهرة)، كان عدد قوة الأرغون 600 مقاتل صهيونى، ومعهم قوة مماثلة من «الهاجاناه»، وجاء الهجوم بعد أقل من 20 يوما على المجزرة التى ارتكبتها عصابة «الأرغون» فى دير ياسين يوم 9 إبريل، وتم قتل 360 فلسطينيا، فيهم أطفال ونساء حوامل، وعلى نفس النهج اعتزمت «الأرغون» و«الهاجاناه» تكرار الأمر فى يافا، فحدثت هجرة منها إلى المدن والقرى المجاورة، ووفقا لـ«زكى الدجانى»: «وقع مجلس الطوائف المؤلف من مختلف الطوائف التى لم تغادر يافا، صك الاستسلام دون قيد أو شرط أمام قائد الهاجاناه فى منطقة تل أبيب».
لم يحترم اليهود وعودهم بإعلان يافا مدينة مفتوحة، ونقضوا اتفاق التسليم، وأعملوا فى المدينة يد السلب والنهب والقتل والاغتيال، وجمعوا ما بقى من سكان يافا فى منطقة ضيقة من حى العجمى أحيطت منافذها بالأسلاك الشائكة، ومنع الدخول أو الخروج منها إلا بإذن الحاكم العسكرى اليهودى للمدينة، وينقل «الدجانى»، عن الدكتور حسن فرعون الذى آثر البقاء فى يافا خلال السنوات الأولى من الاحتلال الإسرائيلى للمدينة: «رغم إعلان يافا مدينة مفتوحة وتعهد اليهود بعدم التعرض للأهالى أو الأملاك أو المحلات، فقد قامت الجماعات اليهودية العسكرية والميليشيات بنهب البيوت بصورة منتظمة، كما قامت بمصادرة المخازن والمحلات والمتاجر والمكاتب والجوامع والكنائس، والمستشفيات والمصانع والمستوصفات والمدارس وجميع السيارات والآلات والأدوات الكهربائية والسجاد العجمى والأوانى الفضية، وكان ذلك يتم فى الليل والنهار طوال أسابيع عديدة، وأجبر سكان يافا الذين تناقص عددهم إلى خمسة آلاف على ترك بيوتهم، والانتقال إلى أحد أقدم أحياء المدينة، وفى نهاية عام 1949 رفعت الأسلاك الشائكة، وتم السماح لليهود باحتلال جميع المبانى فى أحياء المدينة».
يضيف «فرعون»: «أحكم الطوق على الحى الصغير الغربى فى يافا، وفرض على العرب مشاركة اليهود الجدد فى بيوتهم الصغيرة، وأصبحت عائلات بأكملها تعيش داخل غرفة واحدة، وكان السكان العرب يجدون مشقة كبيرة فى الانتقال بسبب الأحكام العرفية التى فرضت عليهم، وتم إيداع العديد من سكان المدينة فى السجون ومعسكرات الاعتقال، وحدثت عدة محاولات اغتصاب، حتى المقابر لم تسلم من التدنيس، وسرق الصلبان والزخارف والرخام من فوق القبور، وشيدت الملاهى فوق أرض المقابر»، ويضيف: «لم تعد يافا مدينة عربية، فقد دمر حى المنشية بكامله، ولم يبق من الحى إلا جامع حسن بك، وعلى امتداد البحر من منطقة الجامع حتى مقبرة حى أرشيد أنشأ كورنيش عريض يربط بين يافا وتل أبيب، وتحولت البلدة القديمة إلى حى يمتلئ بالمطاعم والمقاهى والكباريهات اليهودية».
موضوعات متعلقة:
- أخبار فلسطين اليوم.. والدة أصغر أسيرة تتهم "الشاباك" بتعذيب ابنتها