نقلاً عن اليومى..
«طفل صغير مفرط السمنة، لم يتخط الخامسة من عمره، يسير تجاه قسم الشرطة حاملًا ورقة من والده، يطلب فيها من المسؤولين بالقسم عقابه بالحبس لفتره محددة، لأنه ارتكب فعلا ضايق والده».. ذلك ليس مشهدًا من فيلم سينمائى، بل واقعة حقيقية عاشها سيد التشويق والإثارة فى السينما العالمية، ألفريد هيتشكوك، والذى تحل ذكرى رحيله الـ36 هذه الأيام.
هذا المشهد ظل محفورًا فى ذاكرة هيتشكوك رغم أنه كان صغيرا.. وهو المشهد الذى انعكس بشكل أو بآخر على سينما صانع الرعب لأنه ببساطة لو وضعنا أنفسنا فى مكان ذلك الطفل الذى يسير على قدميه وحيدًا نحو الحبس بقرار من الأب والذى يمثل- السلطة فى حياته- ليجد نفسه رهينا لسلطة أخرى.. ذلك الإحساس الصعب والمركب الذى يمزج بين الرهبة والخوف والوحدة وأيضًا مراقبة النفس والآخر، وتأمل ما يحدث حوله، عناصر شكلت جزءًا كبيرًا من عالم هيتشكوك فى أغلب إبداعاته التى قدمها، حيث كانت حياته الصارمة وطفولته التى لم يمارسها مثل غيره من الأطفال فى سنه، لأنه كان حبيس الوحدة والخوف من ارتكاب الأخطاء طوال الوقت لذلك كان ملاذه الورقة والقلم يرسم أو يسجل ملاحظات وانطباعات عن بشر لا يملك إلا مراقبتهم.
ألفريد جوزيف هيتشكوك ذلك الطفل المولود فى 13 أغسطس 1899 بليتونستون بالعاصمة البريطانية لندن، والذى تلقى تربية كاثولوكية صارمة. كان الأصغر من بين 3 أطفال لوليام هيتشكوك (1862-1914) وكان والده الذى يعمل بائعا للدواجن والخضراوات شديد الصرامة وحرص على تربية أولاده تربية كاثوليكية محافظة، زادت من إحساس هيتشكوك بالوحدة فهو إلى جانب ذلك كان طفلا سمينا يتجنبه زملاؤه، بل فى أحيان أخرى كان موضع سخرية لبعض منهم، ورغم أن والده قد توفى وهو فى سن الـ14 فإن والدته ذات الأصول الأيرلندية حرصت على أن يستكمل تعليمه.
وفى إطار التربية الدينية الكاثوليكية، التحق ألفريد بكلية السالزيان، والمدرسة اليسوعية الكلاسيكية فى كلية القديس إغناطيوس فى ستامفورد بلندن، وبعدها التحق بمدرسة الهندسة والملاحة فى بولار بذات المدينة. كما تابع دروسا فى الفنون الجميلة بجامعة لندن.. تلك النشأة الصارمة جعلت ألفريد يسير فى نظام محدد انعكس أيضًا على سينماه، حيث كانت كل لقطة محسوبة بدقة وكل شىء مرسوما بنظام هندسى ساعده على ذلك، أيضًا عمله بعد التخرج فى مصلحة الإعلانات بإحدى شركات التلغراف هو ما ساعده على تطوير مهاراته فى تصميم المشاهد. بدأ هيتشكوك حياته الفنية بتصميم الديكورات الخلفية لاستوديوهات السينما الصامتة، وبعد تجارب أولية فى صناعة الأفلام تعلم تقنيات المونتاج.
أخرج سنة 1927 أول أفلامه المتكاملة فى مرحلة السينما الصامتة وهو فيلم «النزيل» بعد أن استلهم كثيرا من التقنيات والمناهج التعبيرية المتقدمة التى تطورت فى السينما الألمانية.
وبدأ الفريد يجد نفسه فى صناعة سينما التشويق والإثارة، حيث كان مهموما بكيفية خلق الرعب فى نفوس المتفرجين، وكانت نظريته «حاول دائما جعل المشاهدين يعانون قدر ما تستطيع»، خصوصا بعد أن دخل عالم السينما الناطقة وقدم فيلم «ابتزاز» سنة 1929 الذى قدم من خلال بطله المتهم فى جريمة رغم براءته، ومن بعدها «الرجل الذى عرف الكثير» (1934) وفيلم «الخطوات التسع والثلاثون» فى عام 1935 و«اختفاء السيدة» فى 1938.
وبعدها انتقل إلى مرحلة جديدة فى مشواره إلى هوليود عام 1939 وأصبح مواطنا أمريكيا عام 1955، دون أن يتخلى عن جنسيته البريطانية وهناك أخرج أفلاما مع أكبر شركات الإنتاج السينمائى. ولتجربته الفريدة فى السينما العالمية صار السير هيتشكوك واحدا من أهم المخرجين الذين طوروا فى شكل السينما رغم عدم وجود تقنيات تكنولوجية متطورة مثل الآن، حيث لا تزال أفلامه تثير الرعب فى نفوس المشاهدين بما لا يقاس بالأفلام التى تصنعها التكنولوجيا حاليا، ويظل أعظم مخرج بريطانى وفى العالم، وفق معظم قوائم التصنيف السينمائى، وقد حل فى المرتبة الأولى فى استطلاع لنقاد السينما أجرته مجلة «ديلى تليجراف» البريطانية فى 2007، والتى قالت عنه: هو مما لا شك فيه أعظم مخرج خرج من هذه الجزر، هيتشكوك فعل أكثر من أى مخرج آخر ليصقل السينما الحديثة، والتى كان ممكنا أن تكون مختلفة تماما بدونه، موهبته كانت فى السرد، فى حجب المعلومات المهمة (عن شخصياته وعنا) وإثارة مشاعر المشاهدين أفضل من أى شخص آخر.
موضوعات متعلقة..
- مقابلة ألفريد هيتشكوك مع فرنسوا تروفو التى أصبحت فيلما بعد نصف قرن
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة