لكن الحكم الذى نص على أن أخطاء جهاز الشرطة وعيوب الملعب هى التى أدت إلى الكارثة وليست تصرفات المشجعين، فتح بابا للتساؤل حول الادعاءات التى ظلت قائمة طوال الـ27 عاما الماضية والتى اتهمت الجماهير فى افتعال الكارثة، وأجبرت أهالى الضحايا على الوقوف أمام كذب المسئولين الحكوميين ومسئولى جهاز الشرطة للتغطية على أخطائهم الشخصية.
فى هذا الأطار رصدت "BBC" هيئة الإذاعة البريطانية، 5 مغالطات حول الكارثة ظلت قائمة وانهارت بعد أن أصدرت المحكمة حكمها النهائى فى القضية التى ظلت طوال السنين محل التحقيقات:
الإدعاء الأول: جماهير ليفربول وصلت متأخرا وبدون تذاكر
ربما يذكرنا هذا العنوان بأحداث مشابهة حدثت الفترة الماضية، وكان التبرير الجاهز وقتها أن الجماهير جاءت بدون تذاكر، حسنا هذا ما حدث أيضا منذ 27 عاما كاملة فى إنجلترا فبعد الكارثة مباشرة انتشرت فى وسائل الإعلام تصريحات نسبت لمصدر رفض ذكر اسمه ( اتضح بعدها أنه إيرفين باتنيك المتحدث الرسمى باسم الشرطة ونائب المحافظ لمدينة شيفلد) أن جماهير ليفربول قد تعمدت الوصول متأخرا من أجل الدخول عنوة إلى الملعب، وهو التصريح الذى اعتمدت عليه شرطة جنوب يوركشير فى دفاعها عن نفسها أثناء التحقيقات التى جرت بعد الواقعة مباشرة فى محاولة لإخلاء ساحة الشرطة وإلقاء اللوم على الجماهير.
لكن الواقع وما أثبتته الأدلة ونص حكم المحكمة أن فشل الشرطة فى التعامل مع الحشد الكبير وبوابات الملعب الغير ملائمة كانت هى السبب الرئيسى فى حدوث الكارثة وأن الجماهير التى حضرت للملعب لم تأت متأخرة خاصة أن التذاكر التى كانت بحوزتهم مكتوباً عليها أنهم يجب أن يكونوا داخل الملعب قبل بداية المباراة بـ15 دقيقة فقط.
الادعاء الثاني: مشجعين مخمورين تسببوا فى الكارثة.
فى الأيام التى تلت الحادثة ادعت بعض الصحف أن مجموعة كبيرة من مشجعى الريدز كانوا مخمورين وأرادوا الدخول من دون تذاكر، تزاحموا خارج الملعب مما تسبب فى الكارثة ومقتل الـ96 ضحية، وترددت تصريحات نقلاً عن شهود عيان من أفراد الشرطة أن جماهير ليفربول كانت أشبه بـالحيوانات، وهو ما دعمته تصريحات رئيس شرطة جنوب يوركشير التى ظهرت بعد الحادثة بأربعة أيام فى اجتماع للمسئولين حيث قال بالنص:" إذا كان هناك أحداً لنلومه، فهم المشجعين المخمورين الذين أتوا دون تذاكر"، فى قلب صارخ للواقع.
كما صرح عدد من شاهدى العيان من رجال الشرطة فى وسائل الإعلام وقتها، والتحقيقات التى أجريت أنهم رأوا عدد كبير من الجماهير وهم يشربون المشروبات الكحولية قبل المباراة، بل ووصل الأمر لأحد أفراد الشرطة أن يشهد زوراً فى التحقيقات، قائلاً أنه لم يرى فى حياته هذا العدد من زجاجات المشروبات الكحولية بمختلف أنواعها وأحجامها من جماهير كرة قدم.
ليأتى حكم المحكمة ليفند ادعاءات الكاذبين من مسئولى الشرطة وأعضائها، حيث أكدت المحكمة انه لم يكن هناك أى دليل مادى ملموس على ان أى من الضحايا كانوا مخمورين قبل المباراة.
الادعاء الثالث: جماهير ليفربول اقتحمت بوابة الملعب بالقوة مما أدى للحادث
فى أعقاب الحادث كذب دايفيد داكنفيلد مراقب المباراة عندما قال أن السبب فى الكارثة هو الاندفاع المفاجئ لحوالى 2000 مشجع ليفربول واقتحموا بوابة لدخول الملعب مما ادى إلى انهيار المدرجات ووفاة 96 مشجع.
وتحولت تلك الكذبة لاحقاً إلى الرواية الرسمية التى قدمت للإعلام من قبل جهاز الشرطة وتبنتها معظم الصحف فى تغطيتها للحدث، لكن الحقيقة أن داكنفيلد هو من أمر بفتح البوابة ولم يستطع تحمل المسئولية وقدم للمسئولين كذبة ليخفى تورطه فى الأمر ليساعد فى تضليل التحقيقات لمدة طويلة إلى أن اعترف أمام القاضى أنه من أمر بفتح بوابة الخروج "C".
الادعاء الرابع: الهوليجانز تسببوا فى الكارثة
بعض صحف ليفربول أفادت أن الشغب الجماهيرى من جماعات "الهوليجانز" تسبب فى الكارثة التى تعد اكبر الكوارث فى تاريخ كرة القدم من حيث عدد الضحايا، إلا ان الواقع يقول أن خوف الشرطة من الهوليجانز هو من أدى بشكل ما للكارثة وليس الهوليجانز أنفسهم.
الخوف من الهوليجانز كان فى أشد مراحله فى تلك الفترة من تاريخ كرة القدم، فقبل الحادث بأربع سنوات تسبب جماعات "الهوليجانز" بكارثة ملعب هيسيل والتى راح ضحيتها 39 من مشجعى يوفينتوس الإيطالى بسبب الاشتباكات بين الطرفين مما أدى إلى سقوط مدرجات مشجعى فريق السيدة العجوز، لذلك كان الشغل الشاغل للمسئولين هو كيفية تحصين الملاعب من الاحتجاجات الجماهيرية وقتها، وكان من بين الملاعب التى تم تحصينها بسياج فاصل بين الملعب والمدرجات هو ملعب الكارثة.
لكن هذا السياج الذى صمم لحماية الجماهير واللاعبين على حد سواء كان هو أحد عوامل حدوث الكارثة، جميع الشهود من أفراد الشرطة أجمعوا على ان جهاز الشرطة عانى بسبب تنظيم المباراة وتصميم الملعب على حد سواء، وانصب تركيز الشرطة على منع أعمال الشغب وتجاهلوا العديد من عوامل الأمان التى يجب اتخاذها من أجل حماية الجماهير.
لذلك أكدت المحكمة أن الهوليجانز لم يتسببوا فى الكارثة التى حدثت عام 1989، بل على العكس، خوف الشرطة من تلك الظاهرة أدى إلى عدم التوازن بين الحاجة لقمع أقلية من المشجعين والحاجة لتوفير عوامل الأمان بين الأغلبية منهم.
الادعاء الخامس: المشجعين تبولوا على الشرطة وسرقوا متعلقات الموتى
بعد 4 أيام من الحادثة، خرجت صحيفة "ذا صن الإنجليزية، بعنوان "الحقيقة"، واتهمت بعض جماهير ليفربول أنهم سرقوا متعلقات الجثث، تبولوا على إحدى الشرطيات أثناء مساعدتها إحدى الضحايا وضربوا مسعفاً أثناء إنقاذه لضحية أخرى، مما دفع العديد من الصحف الصغيرة إلى تبنى وجهة نظر "ذا صن" كونها صحيفة عريقة وكبيرة.
تبين بعد ذلك أن تقرير "ذا صن" جاء بناءاً على القصة التى تبنتها وكالة "white’s" الإخبارية فى شيفيلد والتى استخدمت تصريحات من عدة مسئولين فى الشرطة رفضوا ذكر اسمهم بالإضافة إلى نائب محافظ شيفيلد إيرفين باتنيك، الغريب أن هذا الافتراء على المشجعين كان مصدره مفتش الشرطة جوردون سايكس الذى اعترف بعد ذلك فى التحقيقات أنه قام بنشر معلومات مضللة للمحيطين حوله والمسئولين الذين يعملون تحت قيادته وافترى على المشجعين على امل إلصاق التهمة بهم وإبعادها عن الشرطة.
كما اعترف أيضاً أن رواية صحيفة "ذا صن" كانت غير عادلة ومضطربة لما حدث بالفعل، وأن جميع أفراد الشرطة شعروا أنهم سيلامون على الحادثة بأكملها، ألقوا الاتهامات نحو الجماهير لإخلاء مسئوليتهم.
ورغم ان عنوان خلاف الصحيفة كان "الحقيقة" إلا انه كان الكذب بعينه، الامر الذى دفع كيلفين ماكنزى محرر سابق فى صحيفة "ذا صن" للخروج فى 2012 والاعتذار لجماهير ليفربول عن التقرير الذى نشرته ذا صن والاعتراف أنه وقع ضحية مؤامرة لإظهار الجماهير فى مظهر المتهم.
أخبار متعلقة:
- رئيس شرطة "ساوث يروكشاير" البريطانية يعتذر لضحايا كارثة استاد هيلزبره
- بالفيديو والصور..احتفالات أهالى ضحايا مذبحة هيلزبره بعد إدانة الشرطة الإنجليزية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة