ما الذى لم يتغير فى حياتنا ؟
ما الذى لم يصبه العطب ويعتريه الذبول؟
كل شىء فى الحياة استحال إلى مسخ ووهم، ولم يسلم من هذا التحول العظيم شىء مما كنا نكبره بالأمس ونجله.
هذا الأمس الذى لم يكن فيه أشرف من قدر المعلم ومكانته، ولا أسمى من عطائه وعلمه، ترى ما الذى حدث.
معلم اليوم لم يعد مستشعرا قداسة عمله رغم أن هذا العصر هو عصر العلم، ولن تجد فيه أهم من العلوم والتفاعل مع متطلباتها بالاهتمام والإكبار، فهو يتعامل مع العلم فى آثاره ونواتجه المعيشية، لا فى صنعه وتشكيل لبناته، وقد فقد القدرة على التأثير والمشاركة لأنه فقد مقومات هذه القدرة النفسية والعقلية والمهارية التى تصنع منه النموذج والقدوة، والتى تهبه طاقة الأصلاح وتمده بوهج التغيير.
وأول معول ضرب فى صرح المعلم هو معول الازدراء والتجاهل من المجتمع، الذى وجه طاقة اهتماماته إلى ما صدره لنا الغرب على كل المستويات المادية والاستهلاكية، فاختلت منظومة الأولويات واضطربت مفاهيم السلوكيات والقيم، وأصبح المعلم عبئا على وجدان المجتمع المعتل، الذى راح يشوه بنيان المعلم ويحطم تمثاله الذهبى، وأفسد فى ضمائر الأجيال صورته، مرة بتناول سينمائى خبيث لهيئته وسلوكياته، وتارة بإظهار اضمحلاله وسطحيته على سبيل الفكاهة والتندر ونسى هذا المجتمع أنه يسخر من أقدس ما يملك فى رحلته نحو المستقبل.
ثانى المعاول التى شاركت بقوة فى هدمه ضغوط الحياة المادية التى ألجأته إلى التنازل والتغاضى والتخلى، والانشغال بتوفير احتياجاته الحياتية المختلفة من ناتج عمله كمعلم، فصارت ( الدروس الخصوصية ) هى البطل الأوحد فى مسرحية هزلية تسمى ( التعليم المصرى ).
ولكى تصبح الصورة أكثر وضوحا انظر إلى اللقاء الأول بين المعلم وطلابه فى دراسة استعراضية مقارنة بين عصرين لتلمحه فى العصر الأول يفحص وجوه طلابه بدقة شديدة، ويستقصى أعدادهم، ويحفظ أسماءهم ويستنهض معلوماتهم ليحدد نقاط الضعف، وقدر الجهد المطلوب ويضع خطط العلاج، ووسائل التحفيز، ويقرر آلية التقويم، اما فى المشهد المقابل فتراه يستقصى الأعداد، ويطرح الأسئلة المعقدة التى تحبط الطلاب ويتفحص المظهر الدال على المستوى الاجتماعى ليحدد المستهدف منهم للالتحاق بركب الدروس الخصوصية لديه، ويضع الخطط الجاذبة لأكبر عدد منهم إن لم يكن جميعهم، فالمعلم فى المشهد الأول يتفحص ويستقصى ويخطط للبناء، بينما فى المشهد الثانى يتفحص ويستقصى ويخطط للهدم.
إذن دفع المعلم المصرى إلى القيام بهذا الدور دفعا حتى تقمصه ولم يستطع الخروج منه، فحلت الدروس الخاصة فى نفسه محل حرصه على طلابه علما وأخلاقا، ولم تصمد الغاية – على شرفها – امام صولة المادة وعنفوان الاحتياج، فرضى بالمشاركة فى هذا العرض المسرحى الرديء الذى تكتوى بنيران مشاهدته الأمة، وتتجرع كأسه سخفا وتخلفا واضمحلالا.
أما ثالثة الأثافى وتتمة البلوى فهى تلك المناهج التعليمية التى مثلت البيئة الحاضنة لكل آفات التعليم فى بلادنا ولذلك نفرد لها مقالا خاصا إن شاء الله.
مدرسة - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة