وبعيدًا عن الأدب والشعر خلدت قصة الحب الرائعة هذه اسمى "عبلة الروينى" و"أمل دنقل" بشكل خاص فى قلوب المحبين الذين لا يزالوا يتبادلون حتى الآن الخطابات القليلة المتبادلة بينهما والتى نشرتها "عبلة" فى كتابها الجنوبى.
ربما وقعا فى الحب من اللحظة الأولى، فعبلة قالت "من اللحظة الأولى سقطت كل المسافات والادعاءات والأقنعة، وبدا لى وجه صديق أعرفه من زمن"، ورغم وعدها الممتزج بالتحدى له "اطمئن لن أحبك" ربما كانت تعرف داخلها أنها ستحبه.
أما هو، الجنوبى الذى عرف النضح مبكرًا و"اغترب فى السابعة عشرة عن كل ما يمنح الطمأنينة" والذى اعترف فى ما بعد أنه كان يستغرق فى الحب لكنه يهرب من التمسك به، فربما شعر بالقلق من تلك المشاعر التى بدأت تدب داخله، وهو ما دفعه فيما بعد إلى أن يقول لها فى لقائهما الرابع دون مقدمات "يجب أن تعلمى أنك لن تكونى أكثر من صديقة!".
هذا التحذير الذى استفز عبلة، كما قالت فى كتابها الجنوبى، هو نفسه الذى فضح مشاعره تجاهها وجعلها توقن أنه أحبها، وجعلها غضبها من تحذيره تدرك أنها أيضًا أحبته.
وكان "أمل" حسبما تصفه "عبلة" "شديد الصلابة كالجرانيت الصخرى، لا يهتز سريعًا بل يصبح من الصعب إدراك طبيعة الفرح أو الحزن من ملامحه وجهه ومن نظرات عينية، فهو قادر دائمًا على كتمان انفعالاته بل وأحيانًا على إظهار عكسها.
لا يفصح عن مشاعره ولا تدخل قواميسه عبارات الإطراء وألفاظ الحب. إن إخفاء مشاعره وكتمانها سمة غالبة عليه وعلى الآخرين وحدهم إدراكها دون إفصاح منه".
لم يكن "أمل" شاعرًا رومانسيًا إلا أن ما تركه وراءه من عبارات نثرية قصيرة جدًا كانت فحوى خطاباته لعبلة يعكس الكثير عن صورة الحب والزواج كما يفهمه أمل دنقل، كذلك حديثه عن عبلة فى الفيلم الوثائقى "ذكريات الغرفة رقم 8" الذى تم تصويره فى فترة مرضه.
"فى الحب أطلب ولاءً مطلقًا"
فى خطابه لعبلة كتب "دنقل": كنت أستغرق فى الحب لكننى فى صميمى كنت هاربا من التمسك به، وأحيانا كانت تصرفاتى واختباراتى لمن أحب توحى للناظر من الخارج بالجنون، ونقلت لك منذ البداية أننى أطلب ولاء مطلقا.لكننى قلت لك أيضا إنك لو عرفتنى جيدا فلن تتركينى، إننى أحس بالرقّة النبيلة التى تملأ أعماقك كسطح صافٍ من البللور، لكننى أخشى دائماً أن يكون هذا مؤقتاً لقد علمتنى الأيام أن القلب كالبحر لا يستقر على حال.
"الحب وسادة فى غرفة مغلقة"
فى الخطاب نفسه، وردًا على اتهامها له بالمكر والدهاء دافع "دنقل" عن نفسه : إننى لا أحتاج إلى المكر أو الذكاء فى التعامل معك، لأن الحب وسادة فى غرفة مقفلة أستريح فيها على سجيتى، إننى أحب الاطمئنان الذى يملأ روحى عندما أحس بأن الحوار بيننا ينبسط ويمتد ويتشعب كاللبلاب الأخضر على سقيفة من الهدوء."الحب أن أكون معك كما لو كنت مع نفسى"
معنى آخر للحب كتبته فى خطابه "إننى لا أبحث فيك عن الزهو الاجتماعى ولا عن المتعة السريعة العابرة، ولكنى أريد علاقة أكون فيها، كما لو كنت جالسا مع نفسى فى غرفة مغلقة"."الزواج أن أكون اثنين فى مواجهة العالم"
فى كتابها "الجنوبى" كتبت عبلة "ظل الاطمئنان الكامل هو جوهر ما يبحث عنه أمل فى علاقاته"، كانت تقصد بعباراتها كل العلاقات الاجتماعية وصداقاته لكن الأمر نفسه ينطبق على علاقته بها التى أشارت إلى أنه كان دائمًا "يبحث عن تأكيد دائم ويقين وراحة واطمئنان لا ينتهى".وربما حصل "دنقل" على هذا الاطمئنان أخيرًا بزواجهما، إذ قال فى الفيلم الوثائقى "حديث الغرفة رقم 8" الذى تم تسجيله وقت مرضه "فى حياتى عمرى ما حسيت بكلمة الفرح دى إلا لما اتجوزت.. حسيت إنى أصبحت اثنين فى مواجهة العالم مش واحد".
موضوعات متعلقة..
فى ذكرى رحيله.. ناقد وموظف ورومانسى.. الوجوه المنسية لـ"أمل دنقل"عبلة الروينى تنتقد فيلماً تسجيلياً يسرد سيرة أمل دنقل