- دراسة للدكتور أحمد عكاشة: 8% من الرواد خريجات جامعة وبعضهن زوجات أساتذة
- المرأة قد تتعرض للاغتصاب ويتم إقناعها بأن الفاعل "عفريت"
فى جو تفوح منه رائحة دخان البخور، وداخل غرفة صغيرة فى أحد المناطق الشعبية الفقيرة، أو ريسبشن فى إحدى المناطق الراقية، يتجمع بعض الأشخاص يرتدون نفس الملابس بنفس الألوان الكل يرقص بشكل هستيرى على أصوات دقات طبول وأغانى غريبة لا تستطيع أن تفرق إذا ما كانوا سيدات أم رجال، ما تستطيع أن تحدده بالفعل هو وجود امرأة تقف فى وسط هذه الحلقة يلتف حولها الجميع وهى السيدة التى أقيم الزار من أجلها اعتقادا بأنها «ملبوسة» من الجان وأن تلك الطريقة هى التى ستخلصها من آلامها هكذا يعتقدون.
يعتمد الزار على استخدام بعض الأدوات البسيطة «وكودية» تدير الحلقة وتضرب على الدف هى وبعض من معاونيها، وترتفع أصواتهم بأغان وتراتيل لكى تؤثر على الشخص الذى أقيمت الحلقة على شرفه، ويقومون بالتمايل بأجسادهم يمينا ويسارا فى حركات تبدأ بسيطة وتنتهى بشكل هيستيرى، حتى تفقد صاحبة الحفل الوعى، وتصبح نجمة حفل الزار على استعداد لتقبل ما يملى عليها، من سيدة الموقف «الكودية» هكذا هو الحال فى الزار الذى نرى مشاهده فى الأفلام، ولا يختلف كثيرا عن الواقع.
أصله وفصله
المعتقد الشعبى المصرى يؤمن بالزار وبأنه وسيلة لإخراج الجان من الجسد، أو ما يسمى السيد فكل شخص مريض وغير طبيعى كان يفسر على أنه ملبوس بالجان ولا يمكن إخراج الجان منه إلا من خلال الزار.
إلى جانب مصر تنتشر حلقات الزار فى السودان والحبشة وجيبوتى، ويذهب بعض الباحثين إلى أن أصل كلمة الزار عربية، وهى من زائر النحس وهذه المجموعة من الطقوس الشعبية يعتقد البعض أنها تعمل على طرد العفاريت التى تتقمص بعض الناس، ولذلك فالزار يقوم عند معتقديه بوظيفة علاجية.
ويبدو أن المعتقدات الشائعة فى طرد عفاريت بالزار انتقلت من الحبشة إلى العالم الإسلامى، والأرجح أن الطقوس المنتشرة فى الزار فى مصر انتقلت إليها فى القرن الـــــ 19وقد جرت العادة بأن يقوم بهذه الطقوس الخاصة بطرد العفاريت واستحضارها «الكودية» وتختلف معالجتهن للعفاريت باختلاف تحديدها لجنسيته، وتدعى أنها تستطيع التفرقة بين عفاريت مصر وعفاريت الصعيد والسودان، وكذلك التفرقة بين عقائد العفاريت.
الطب النفسى: تنفيس وإيحاء وأشياء أخرى
قال الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى بطب عين شمس إنه أجرى دراسة نفسية عن الزار وتم نشرها فى العام 1968، وفى مراحل تحقيقها قام بعرض الأغانى والطبول المستخدمة فى الزار فى أحد المؤتمرات الأوروبية فى الخارج وأعجب بها العلماء جدا وأكدوا أنها مؤثرة، موضحا أن كلمة زار باللغة الأبهرية معناها الروح الشريرة والزار موجود فى الحبشة وجيبوتى ومصر ويحتاج إلى قيادة، وهى «الكودية» التى تقود الزار وغالبا ما تكون قوية ويتردد عليها سيدات من مختلف الطبقات من جاردن سيتى وباب الشعرية، و8 ٪ ممن يلجأن إلى حلقات الزار خريجات جامعة، وزوجات أساتذة كبار ومشاهير. وكان لى صديق تقوم زوجته بعمل زار فى منزلها بصفة دورية اعتقادا منها أن الزار يقوم بطرد الشياطين من المكان.
وأوضح الدكتور أحمد عكاشة أن معظم الذين يلجأون للزار يعانون من الأمراض النفسية، التى يعبرون عنها ببعض الآلام التى يشعرون بها ومنها آلام المفاصل وتنميل فى الجسم.
ويتابع: « يبدأ الزار بهز الرأس على حركة «تفقير» مع الطبول والغناء والرقص بشكل قوى حتى يصبح المخ فى حالة من اللاوعى وهنا يتقبل الشخص أى كلام أو أى نصيحة، وتوهم الكودية المصابة بأنها انتزعت الجن اللى لابسها، وفى حالة الغفلة التى تكون فيها المرأة ملقاة على الأرض تصدر لها «الكودية» الأوامر لتنفيذها على الفور.
وأكد الدكتور أحمد عكاشة فى هذه الحالة تكون المرأة على استعداد تقبل أى أوامر من السيدة الكودية، وقد تستغلها فى هذه الحالة فى تغيير مفاهيمها أو إدخال أى معلومات فى مخها وتكون المرأة على استعداد كامل لتقبل آرائها وتنفيذها فى هذه اللحظة، موضحا أنها يمكن أن تقول لها البسى الصليب أو اقرأى القرآن عكس معتقدها، وتردد هذا الكلام ثلاث أو أربع مرات وهذا الترديد له تأثير فسيولوجى على المخ مما يجعلها تنفذ أوامرها على الفور وتقنعها بأنها كانت ملبوسة وأن الزار خلصها من الجن.
سر التأثير «الوهمى»
يشبه العلاج بالرقص واليوجا والعلاجات البديلة.. وهرمون السعادة سبب الشعور بالاسترخاء
أشار الدكتور عادل الحديدى أستاذ الأمراض النفسية بطب المنصورة إلى أن هناك علامات مرتبطة بالثقافات بالدول المحيطة بالشرق الأوسط وفى مصر وذلك قبل انتشار مصطلح الأمراض النفسية، وأسبابها، فكان الاعتقاد أن الأمراض النفسية ناتجة عن لبس الجان أو تمكن الجان منه وكان نوع من إرضاء الجان.
وأشار إلى أن الذى يحدث فى حفلات الزار نشاط حركى كبير جدا مع ارتفاع الأصوات، ويوجه هذا النشاط الزائد للشخص الذى أقيم الزار من أجله، ويظل تكرار هذا المجهود مع الصوت العالى إلى أن ينهك الشخص بدنيا ونفسيا، حتى يفقد الوعى وفقد الوعى نفسه يحدث نوعا من أنواع الاسترخاء، موضحا أن الاسترخاء الذى يحدث للمريض بعد الإفاقة مع الإيحاء الذى تقوم به الكودية، كل هذه الأشياء تعمل على بث الطمأنينة فى الشخص، وإشعاره بأنه أصبح فى أمان، وهو ما يمنحه الإحساس بانتهاء الأمراض والأعراض التى كان يشكو بسببها، وبالتالى يمكن أن يتعايش بدون مشاكل، وهو يعتبر أحد العلاجات البديلة مثل رقص الزومبا، الرقص بالموسيقى، والرياضات العنيفة، والذى يبذل فيها الشخص مجهودا كبيرا جدا مثل الزار حتى يصل إلى مرحلة التعب وفقد الوعى، ويكون مؤهلا لتقبل أى تعليمات أو أوامر.
وأضاف أن المجهود الزائد فى المخ يعمل على ارتفاع هرمون السيراتونين وهو هرمون السعادة، لذلك بعد إفاقة الشخص يكون مزاجه أفضل وفى حالة استرخاء وهناء، تعادل حالات العلاج بالرقص واليوجا، وهى علاجات تكميلية تستخدم فى بعض الحالات التى يعانى فيها الشخص من التوتر والقلق والضغط العصبى، وكل هذه الأشياء تتحسن إذا كان يعانى من أمراض نفسية بسيطة، ويحدث نوعا من التحسن المؤقت للأعراض.
وأوضح الحديدى أن الزار لا يمكن أن يصبح نمطا للحياة كلما تعب الشخص يلجأ إليه، ومع التقدم العلمى ومعرفة الأسباب الحقيقة للأمراض النفسية وتطور العلاجات أصبح الزار لا يستخدم إلا فى بعض الأماكن الشعبية التى مازالت تستخدمه كنوع من أنواع الطقوس لعلاج المرضى الذين يرفضون العلاج النفسى، وكان ارتباطه بالجن لأنه قبل معرفة الأمراض النفسية كان صعبا على الناس فهم سلوكيات الشخص المريض، وبالتالى يتم ربط حالة الشخص بشىء غامض لتفسير هذه السلوكيات.
وقال إن الزار ليس له أضرار إلا إذا أسىء استخدامه أو تعرض المريض للنصب أو الاحتيال وإيحاء المريض بأشياء غير حقيقية، مؤكدا أن الرقصات والطبول موروثات موجودة فى التراث المصرى وبعض الدول الأفريقية، وحتى الآن موجود فى الصعيد والوجه البحرى والأماكن البسيطة فى الحضر.
وإذا كان الحركات العنيفة ودقات الطبول يعملان على زيادة إفراز هرمون «السيرتونين» أو هرمون السعادة فهذا أدعى أن يمارس أصحاب الأمراض النفسية، الرياضات العنيفة، فقد أشارت الدراسات إلى فائدتها فى تحسين حالاتهم النفسية، وحتى الأصحاء يمكنهم ممارسة رياضية المشى وليس المشى لزيادة إفراز هذا الهرمون المهم، بل لتحسين حالاتهم النفسية خصوصا المصابين بالاكتئاب والقلق والتوتر.
من جانبه قال عادل المدنى أستاذ الطب النفسى بطب الأزهر إن الزار له تفسيرات كثيرة فى الطب النفسى، وهناك طقوس للزار تسمى: الزفة والرقصة والذبيح السفلى والعلوى بحيث يذبحوا فوق رأس المرأة التى يعتقدون أنها ملبوسة ويقومون بتجهيز الذبائح، ولكن لا يقدموا على ذبحها اعتقادا منهم أنها هدية للجان وأنه هو الذى يقوم بالذبح ثم الطبلية وفك الطبلية و«الكودية» والمعروف أنها سيدة ولكن فى أماكن كثيرة يكون رجلا، وهناك الطبالون فى حدود من 2 إلى3 وهناك أكثر من طريقة للأغانى فهناك أغانٍ صعيدية أو بحرى أو سودانى.
وأشار أنه يتم ضرب الطبول ويبدأ الحضور فى عمل حركات بالرقص بما يشبه العلاج النفسى الجماعى فى بعض الحالات، ووجود ناس كثيرة فى حجرة صغيرة يقلل من الأوكسجين ويزيد من ثانى أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون مما يساعد على الإيحاء بشكل أكبر، ومن هنا جاءت فكرة التحسن بالإيحاء، وتنقل الكودية الاعتقاد لصاحبة أو صاحب حفل الزار أن لكل جان دقات وأغانى معينة تستطيع إخراج الجان من الجسم.
وأوضح أن الطب النفسى يفسر ذلك بأن الشخص يتحسن من الناحية النفسية ويعود مرة أخرى ويحدث نوع من الإيحاء فقط، وهؤلاء يعتبرون مرضى نفسيين ويحتاجون إلى علاج نفسى ولا يلجأون إلى الأطباء، مضيفا أن الزار مكلف جدا حيث يمكن أن يصل لـــ 5 آلاف جنيه وثلث المرضى يلجأون إلى العلاج الشعبى قبل الذهاب إلى الطبيب النفسى.
احترس من النصابين
أكدت الدكتورة رحاب نجيب مدرس الطب النفسى جامعة عين شمس أن استخدام الطبول بصورة مستمرة يسبب إجهاد ذهنى ويكون العلاج بالإيحاء سهلا لذلك فالمريض يشعر بالتحسن بعد الزار ويقل الألم حيث يصاب المخ بتعب ذهنى شديد، ويضطر المخ إلى تقبل أى شىء يملى عليه من الإجهاد.
ومن جانبها قالت الدكتور هبة العيسوى أستاذ الطب النفسى بطب عين شمس زميل الجمعية الأمريكية للطب النفسى أن الزار من الناحية النفس اجتماعية لا يجوز أن يكون طريقة من طريق التنفيس النفسى، أو الإيحاء لأنه طريقة تعتمد على غياب العقل، وهى طريقة تعتمد على التلقين والإيمان بالغيبيات أقوى من الدلائل وهى لا تنمى العقل البشرى، فالأصوات المرتفعة تجعل الإنسان يفقد الوعى ويلقى على الأرض.
وأكدت أنه إذا افترضنا بعد التنفيس بالرقص وأنه تحسن الشخص واقتنع أنه تخلص من الأرواح الشريرة، ودخل فى مشكلة أخرى فإنه يحدث ارتباط شرطى بين الزار والراحة النفسية، وكلما يتضايق يذهب لعمل الزار، وفكرته تفتح الباب للدجل والخزعبلات.
وأوضحت أنه لا يمكن استعماله كنمط حياة موضحة أن هناك بدائل أكثر احتراما، وأن كثير من السيدات يقعن فريسة للدجل والنصب والاحتيال، ومن الممكن أن يتم الاعتداء الجنسى عليهن تحت زعم إرضاء السيد أو الجان ليتخلصهن من المس أو الجن، وكم من قصص سمعناها من السيدات اللواتى تعرضن للنصب أو إيحائهن بأن هذا كله من أوامر الجان، سواء بطلب بعض الطلبات أو طلب مبالغ مالية كبيرة، مشيرة إلى أن إحدى السيدات روت أنها بعدما أفاقت وجدت «منى» رجل على قدميها وعندما سألت قالوا لها إنه من الجن موضحة أن «الكودية» تطوع صاحبة حفل الزار تحت أمرها وتطلب منها أى شىء لتنفيذه.