منذ شروق الشمس تحتشد الطرقات فى الصين بالملايين فى طريقهم للعمل، يحركهم الحماس ويدفعهم الأمل نحو تحقيق مزيد من النجاح يجعلهم يصعدون مركزا وينتزعون سلم القوى الاقتصادية الأول فى العالم، متسلحين بالمعرفة والصبر والعمل الجماعى الفعال لأكبر كتلة سكانية على وجه الأرض.
المواطن الصينى الذى لقب نفسه بـ"التنين الصينى"، أبهر العالم فى زمن قياسى معتمدا على حضارته العريقة التى تعود لـ5000 عام، ومعتمدا أيضا على نفسه فى كل شىء ولم يحتاج لأى مساعدة من الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة، ولكن نجح بعدد سكانه الضخم فى التميز فى كل شىء من زراعة وصناعة وبورصة.
- عشق العمل
وجودك فى الصين لمجرد شهرين يجعلك تتأكد أن هذا الشعب يعشق العمل، وكأنه مخلوق لأجل العمل فقط، حيث يبدأ يومه فى السابعة صباحا، بحيوية ونشاط لن تجد له مثيلا، وتجد بعضهم يبدأ يومه فى تمام الساعة السادسة صباحا بممارسة بعض التمارين الرياضية فى الحدائق العامة التى خصصتها الحكومة مجانا للمواطنين لممارسة الرياضة وبدء اليوم بنشاط.
ورغم أن الشعب الصينى الشعب المدخن رقم واحد فى العالم، فإن هناك عقوبات صارمة على المدخنين فى الأماكن غير المسموح بالتدخين بها، قد تصل إلى السجن من 3 سنوات إلى 10 سنوات، وأنه مسموح بالتدخين للعاملين بالتدخين لمدة ساعة واحدة على مدار ساعات العمل، طالما ممنوع التدخين فى هذه الأماكن، ولا يمكنك المغادرة من العمل إلا بعد الانتهاء من كل ما لديك لذلك اليوم.
أما بالنسبة للنظام فى الشوارع فلم تجد له مثيل، بالرغم من عدد سكان الصين الذى وصل حاليا إلى مليار ونصف المليار نسمة، لكن لن تجد أحد يخترق إشارة المرور أو يسير عكس الطريق، ومعظم المواطنين يعتمدون على ركوب الدراجات النارية للتسهيل عليهم فى الطرقات وتفادى بعض الأماكن المزدحمة، كما خصصت الحكومة دراجات فى الشارع يمكنك استخدامها باشتراك المترو أو الأتوبيس ويمكنك تركها فى اى من الأماكن المخصصة لها.
- الصين من دولة نامية إلى عملاق الصناعة
قبل عقود قليلة كانت الصين دولة نامية صغيرة الاقتصاد، وجدت نفسها تملك الأراضى الشاسعة وأعداد هائلة من العمالة استفادت منهم، حيث بدأت الصين تعتمد على نسج الحرير الصناعى فى القرى والنجوع البعيدة، ووجدت سوقا للحرير خارج الصين فى الدول القريبة منها، وراجت السلعة ووجدت طلبا، وزاد العمل والعاملين فى حقل تصنيع الحرير، وانضم الآلاف لإنتاجه وتصديره، واهتمت الدولة به كمورد هام للعملات الصعبة، ومن ثم انتعشت صناعات يدوية أخرى تبعا لهذه الحركة التجارية، وتعلمت الأسر كيف تطور نفسها عبر الدخل الذى يليها من المشاركة فى إنتاج السلعة، ثم انتبهت الدولة للزراعة وأصبحت توليها الاهتمام الكافى ولكنها شرعت قوانين ممتازة استطاعت أن تنهض بالزراعة.
وبدأت الحكومة الصينية فى توطين المزارعين وأسرهم بالمزارع واستقرارهم فيها فأنشأت مدارس بدرجاتها المختلفة داخل المزارع، ووفرت كافة احتياجاتهم من معدات زراعية وآلات ضرورية للمزارعين وأعفتهم من الضرائب والرسوم، فضلاً عن إنشاء أسواق تتوفر بها كافة مستلزمات المزارعين وأسرهم من ملابس وأدوات كهربائية وأدوات منزلية ولوازم أطفالهم من كتب وكراسات بمحاذاة المشاريع الزراعية كى تكون قريبة ويرغب المزارعون فى البقاء بالقرب من الحقول.
بالفعل كان من النادر أن يذهب الفلاح إلى المدينة إلا فى الأعياد الوطنية أو المناسبات أو بعد انقضاء مواسم الحصاد للترفيه عن نفسه وعن أسرته، لذا نجحوا فى جعل المزارع مستقرا بمكان زراعته، بعد إنشاء متنزهات ومسارح صغيرة للترفيه عن أسر المزارعين، وذلك بالقرب من المشاريع، وتم إنشاء مستشفيات مجهزة جيدا ومدعومة بالقرب من حقول المزارعين حتى لا يضطروا للذهاب بعيدا للمدن، كما ألزمت الدولة المزارع ببيع إنتاجه الزراعى للدولة فقط، ولكنها كانت تعطيهم أسعارا مجزية للغاية، وذلك منعا للسماسرة والمزايدين حتى لا ترتفع أسعار الخضر والفواكه، ووفرت الدولة وسيلة نقل جيدة ورخيصة وهى السكة الحديد داخل الحقول وكانت تنقل المنتجات الزراعية بنفسها من الحقول للأسواق، وتلزم التجار فى الأسواق ببيعها بأسعار معقولة ليست فيها خسارة للتاجر وليست فيها ظلم للمواطن، كما نعلم فإن الرقابة الصينية على الأسواق قاسية وصعبة تصل حد السجن والإعدام لكل من يخالف القانون ويتسبب فى الإضرار بالمواطن.
- قصة الصعود
نجحت الصين فى توفير الحبوب بأنواعها وأصبحت من أكبر الدول المنتجة للخضر والفواكه والحبوب والتوابل والقطن، وأصبحت من أكبر المصدرين فاستطاعت توفير عملات صعبة ضخمة ساعدتها لتبدأ مرحلة أخرى فى حياتها وهى أهم المراحل التى صعدت بالصين كدولة كبرى، وهى الأوانى المنزلية والخزف التى تم تصديرها للخارج بكميات مهولة، حتى أنهم بدأوا بالصناعات الصغيرة، فصنعوا إبر الخياطة والخيوط وماكينات الخياطة والمعالق والأطباق، واعتمدوا عليها كمنتج للتصدير وغزوا بها العالم وشيئا فشيئا وبأسعارها الصغيرة البسيطة استطاعوا السيطرة بهدوء على أسواق العالم .
بالتأكيد هم أذكياء جدا، يتعاملون مع احتياجات أسواق العالم، صنعوا السبح والمصليات وصدروها لكافة أرجاء العالم، ووصلتنا فى مصر ومعها السراويل والملابس الداخلية القطنية، كل هذا كان له أثر كبير فى توفير العملة الصعبة للصين.
أما بالنسبة للمدن التجارية فكانت مدينة أيوو التى يقطنها حوالى 1.5 مليون شخص، وتقع فى وسط محافظة جيجيانغ قرب الساحل الشرقى المركزى لجمهورية الصين الشعبية، والتى تشتهر بتجارة السلع الصغيرة الحرة، وهى مدينة نابضة بالحياة وتعتبر مركزاً سياحياً فى المنطقة، وبالرغم من أن مدينة أيوو تابعة إدارياً لولاية جينهوا إلا أنها أشهر منها محلياً ودوليا، حيث كانت هذه المدينة من خمس سنوات مجرد أرض زراعية.
- جنة التسوق
تشتهر مدينة أيوو الصينية بأنها مركز تجارى ضخم جدا، ويأتيها الناس من جميع أنحاء العالم لشراء السلع لإعادة بيعها، كما أطلق عليها أيضا اسم وشعار الاقتصاد الصينى لوجود الكثير من أصناف السلع وبسعر رخيص مقارنة بالأسواق الأخرى، وأصبح سوق أيوو جنة محبى التسوق.
وفى مدينة أيوو أكثر من 20 سوقا موزعة فى أنحاء المدينة منذ عام 1982 عندما أسس أول سوق فيها على شاكلة سوق العتبة حاليا، وفيها أسواق مهمة مثل سوق فاتيان وسوق الأثاث وسوق هوانغ يوانغ للملابس وغيرها، وإلى جانب هذه الأسواق هناك أسواق السحابات وإكسسوارات السيارات والمجوهرات، وتعتبر إيوو أكبر سوق على مستوى العالم، ونمت مدينة أيوو بطريقة سريعة جدا من بلد صغيرة إلى مدينة تجارية دولية فى الـ10 سنوات الماضية .
إيوو مدينة مشهورة لتجارة السلع الصغيرة والسلع الأساسية والمعمرة، ويقع سوق الفوتيان فى وسط المدينة، وهو السوق الأكبر على مستوى العالم، حيث تبلغ مساحته 2.45 مليون متر مربع ويتسع لـ 58000 محل تجارى جملة، ويباع بداخله أكثر من 400 ألف سلعة مختلفة، ويتم تصدير البضائع من سوق الفوتيان فقط إلى 215 دولة ومنطقة فى جميع دول العالم، ويعتمد ميناءا شنغهاى ونينجبو اعتمادا رئيسيا على بضائع مدينة إيوو .
موضوعات متعلقة..
- جامعة السادات تعلن تخصيص 100 منحة دكتوراه وماجستير بالصين