لم يكن قيام تنظيم داعش بالإعلان عن النية فى هدم آثار مصر وخاصة الأهرامات غريباً على من يفهم فكرهم، فهم يعتقدون أنه من الواجب الشرعى هدم كل التماثيل الموجودة فى العالم لأنها أصنام ويزعمون أن السلف لم يهدموها لأنها كانت مطمورة تحت الرمال وهذا وهم، وقال بعضهم إنهم لم يقدروا على هدمها لصلابتها فتركوها!
وجواز ترك الصور والتماثيل التى لا تعبد من دون الله هو مذهب جمهور الصحابة، بل إجماعهم. حيث إنهم لم يحطموا التماثيل والصور فى بلدان فارس والشام والعراق، ذلك أنها لم تكن تعبد فى فارس والشام ومصر. وتركوا تلك الصروح الضخمة والتماثيل الكثيرة إلى اليوم. ومن ذلك فقد دخل سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه (فاتح العراق وأحد المبشرين بالجنة) قصر كسرى فى المدائن، وفى ذلك القصر صور كثيرة على الجدران وتماثيل. ولم يهدم منها شيئاً، بل بقيت ليومنا هذا، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ولا على غيره. فهذا إجماع منهم على جواز إبقائها إن لم تكن تعبد من دون الله ولم يكن لها أى قدسية.
قال الطبرى فى تاريخه: «لما دخل سعد المدائن فرأى خلوتها، وانتهى إلى إيوان كسرى، ..وفيه تماثيل الجص: رجال وخيل. ولم يمتنع –ولا المسلمون لذلك– وتركوها على حالها".
وكانت على جدران إيوان كسرى صور ملونة بالحجم الطبيعي، مرسومة بدقة فائقة. ولا تزال هذه الصور إلى يومنا هذا. فهذه لم تكن مدفونة فى الرمل طبعاً، بل هذا القصر دخله عدد من الصحابة وأقاموا فيه. فكيف لم يروا الصور وهى واضحة ولاتزال لهذا اليوم؟! أما عدم القدرة على الهدم، فبديله الطمس (أى للصور). وهذا لا يحتاج لا لنفقة كبيرة ولا لتسخير عدد هائل من الناس، فلم يبق إلا أنهم فهموا أحاديث طمس الصور بأنها خاصة بما كانت له قدسية أو ما كان يعبد من غير الله. وهذه الصور استمرت مشاهدة يصفها المؤرخون والأدباء.
قال ياقوت الحموى فى معجم البلدان: «وقد كان فى الإيوان صورة كسرى أنو شروان ، وقيصر ملك أنطاكية، وهو يحاصرها ويحارب أهلها».
والصحابة هم الذين رووا لنا تلك الأحاديث، وهم الذين قيلت لهم. ففهمهم مُقدم عند التعارض. وإجماع الصحابة من مصادر التشريع. وأما دعوى أنهم كانوا طوال تلك السنين الطويلة مشغولين، فهى دعوى لا أظن صاحبها مقتنع بها، إلا أنه لم يجد غيرها. فهل صعُب على سعد بن أبى وقاص أو أحدٍ من الولاة بعده أن يأمر أحد العبيد بطلى تلك الجدران التى عليها الصور؟ وأما إنكار أن يكون الصحابة قد رأوا تلك الصور ، فمكابرة وجحود . فإيوان كسرى هو أكبر المبانى فى المدائن ، ودخول المسلمين إليه عند الفتح متواتر مشهور لا ينكره أحد . وقد ملأته الصور والتماثيل ، وقد قيلت بها الأشعار .
وقد صار الإيوان هو مركز الحكم فى العراق حتى تم بناء الكوفة . وأما حديث على – رضى الله عنه - فى طمس التماثيل فمحمول على ما كان يعبد من دون الله فإيوان كسرى مليء بالتماثيل كعادة الملوك . وعلى نفسه قد حكم العراق فلم يأمر بتدمير شيء من تماثيله.
وإلا فكتب التاريخ مليئة بالأخبار التى تنص على معرفة المسلمين بها. من ذلك أنّ الجاحظ (وهو معاصر للأئمة مالك والشافعى وأحمد) عدد عجائب الدنيا فقال كما فى حسن المحاضرة (3|65): «وصنم الهرمين وهو بلهوية ويقال بلهنيت وتسميه العامة أبو الهول، ويقال إنه طلسم للرمل لئلا يغلب على الجيزة».
وكان عدد الصحابة الذين دخلوا مصر أكثر من ثلاثمائة كما حقق ذلك السيوطى فى "حسن المحاضرة" (1|166). وأول مدينة حاصروها هى مدينة "عين شمس" كما ورد عند ابن كثير فى البداية والنهاية (7|98) . وهى مشحونة بالتماثيل الكبيرة كما ذكر ذلك عبد اللطيف البغدادى فى القرن السادس حيث قال فى رحلته (ص96): «ومن ذلك الآثار التى بعين شمس. وهى مدينة صغيرة يشاهد سورها محدقاً بها مهدوماً، ويظهر من أمرها أنها قد كانت بيت عبادة. وفيها من التماثيل الهائلة العظيمة الشكل من نحت الحجارة، يكون طول التمثال زهاء ثلاثين ذراعاً، وأعضاؤه على تلك النسبة من العظم. وعلى معظم تلك الحجارة و تصاوير الإنسان وغيره من الحيوان كتابات كثيرة بالقلم المجهول». وقد سكن الصحابة الفسطاط والجيزة، وهما قريبان جداً من الإهرامات. ومن الجدير بالذكر هنا أن الأهرامات نفسها كانت مكسوةً بتصاوير لغة الفراعنة التى بعض حروفها على شكل طيور وحيوانات وعليه فالصحابة الذين دخلوا مصر، جزماً رأوا أبا الهول وتصاوير الأهرام. هذا فضلاً عن تماثيل عين شمس التى لا شك ولا ريب أنهم رأوها بعد فتحها، ودخولهم فى المدينة. ونفى رؤيتهم لها مكابرة.
وقال بعض العلماء إنّ المقصود بالمضاهاة فى الحديث من يصنع التّمثال أو يرسم الصّورة تحدّياً لقدرة الله، ومن يعتقد أنّه قادر على أن يخلق كخلق الله، فيريه الله تعالى عجزه يوم القيامة بأن يكلّفه أن ينفخ الرّوح فى تلك الصّورة. وتأييداً لهذا القول فسّر ابن حجر – فى فتح الباري- قول الله عزّ وجلّ فى حديثه القدسى (ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقاً كخلقي) فسّر ذهب بمعنى قصد.
محمد محمود حبيب يكتب: عن داعش ورغبتها فى هدم تماثيل مصر أتحدث
الأربعاء، 15 يونيو 2016 08:04 ص
الأهرام
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د. شاكر
داعش بتحلم
عدد الردود 0
بواسطة:
الامين
اثلجت صدورنا ايها المجدد
اثلجت صدورنا ايها المجدد
عدد الردود 0
بواسطة:
د. شريف
مش داعش بس
ده فكر السلفيين كمان
عدد الردود 0
بواسطة:
د. محمد صادق
برافو عليك
اول مرة اشوف دفاع شرعي على اثار مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
مى بيومى
هايل استاذنا
كلام جديد كعادتك
عدد الردود 0
بواسطة:
اسلام
كلنا هنحمي عرضنا
ايوا دا عرضنا
عدد الردود 0
بواسطة:
مودى
اهرام ايه اللي هيدمروها
كلنا هنموت وهتفضل الاهرامات
عدد الردود 0
بواسطة:
نهى حامد
تحيا مصر
مصر أمان
عدد الردود 0
بواسطة:
نهى حامد
تحيا مصر
مصر أمان
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد هانى
مقال علمى رصين
بارك الله فيك