ومر الخلاف القاسى إلا أن الزوجة لم تمرر القسم الذى خرج فى غمرة انفعاله، فرفضت أن يجامعها وقالت له: والله لقد تكلمت بكلام عظيم، ما أدرى مبلغه. وأشارت إلى أنه بذلك تحرم عليه وهو ما يعنى فراقهما كزوجين.
إلا أن "خولة بنت ثعلبة" قررت أن تعرض أمرها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهبت بالفعل إليه وحكت القصة، ورغم محبتها وخوفها على بيتها إلا أنها أيضًا شكت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى من سوء خلق زوجها ومعاملته.
وروى عن خولة بنت ثعلبة أنها قالت: فى والله وفى أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة. قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه. قالت: فدخل على يومًا، فراجعته بشىء فغضب فقال: أنت على كظهر أمى. قالت: ثم خرج فجلس فى نادى قومه ساعة، ثم دخل على فإذا هو يريدنى عن نفسى. قلت: كلا والذى نفس خولة بيده، لا تخلص إلى وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه. قالت: فواثبنى فامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عنى. قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتى فاستعرت منها ثيابًا، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه.
قالت: فجعل رسول الله يقول: "يا خويلة، ابن عمك شيخ كبير، فاتقى الله فيه". قالت: فوالله ما برحت حتى نزل فى قرآن، فتغشى رسول الله ما كان يتغشاه ثم سرى عنه، فقال لى: "يا خويلة، قد أنزل الله فيك وفى صاحبك قرآنًا. ثم قرأ على {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِى وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: 1-4].
قالت: فقال لى رسول الله: "مريه فليعتق رقبة". قالت: فقلت يا رسول الله، ما عنده ما يعتق. قال: "فليصم شهرين متتابعين". فقلت: والله إنه لشيخ كبير، ما به من صيام. قال: "فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر". فقلت: والله يا رسول الله، ما ذاك عنده. قالت: فقال رسول الله: "فإنا سنعينه بعرق من تمر". قالت: فقلت يا رسول الله، وأنا سأعينه بعرق آخر. قال: "قد أصبت وأحسنت، فاذهبى فتصدقى به عنه، ثم استوصى بابن عمك خيرًا". قالت: ففعلت.
لم تكتفِ خولة بطلب الحكم من رسول الله فى أمرٍ كان يشاع وقتها أنها مفروغ منه وهو فراقهما، ولم تكتفِ حتى بأن تأخذ الحكم الأصعب والكفارة التى رأت أن زوجها لن يمكنه تطبيقها بل أوضحت بأدبِ لرسول الله أن تلك الكفارة ليست فى وسعه، ولم تخجل أن تكرر ذلك مرة واثنتين وثلاثة حتى ساعدها رسول الله وقررت هى رغم عتبها على الزوج أن تساعده أيضًا فى كفارته لتنقذ بذلك البيت الذى رفضت أن ينهار وينتهى بسبب قسمٍ فى لحظة غضب.
موضوعات متعلقة:
- رمضان زمان.. رجال السيرة الهلالية "كانوا ناس يخشوا الملامة"