"ملاك أسود" قصة لـ"مصطفى الشيمى" من "مصيدة الفراشات" الفائزة بمسابقة قصور الثقافة

الثلاثاء، 21 يونيو 2016 09:00 م
"ملاك أسود" قصة لـ"مصطفى الشيمى"  من "مصيدة الفراشات" الفائزة بمسابقة قصور الثقافة مصطفى الشيمى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الأرضُ جحيمٌ معدٌّ بإتقان. حفرٌ مملوءة بالحممِ وماء النار. كثبان من الظلام تهيم وتهيمن على الهواء. أفكار مدنسة ووساوس تملأ قلب ريم. وريم كانت تمشى فى الجحيم على أطرافِ أصابعها كأنها ترقص، وهى ترفع يديها للأعلى وتدور حول ذاتها فى دورةٍ كاملة، لكنها تفقد التوازن فجأة، فتفتح الهاوية فمها.

لقد اشتهتها النيران ولولا تلك اليد التى أمسكتها لوقعت فيها، وعندما وقعت عيناها على صاحبها فزعت وانتفضت من نومها. أخذتها أمها فى حضنِها وسألتها "ما الأمر؟"، فأجابت وهى ترتعش "أراه!"، سألتها "من؟"، فهمست "لوسيفر"، وفوجئت بأمها تبتسم وتقول "نعم يا صغيرتي.

صليتُ لأجل هذا وباركتُكِ بنفسي"، فرمقتها ريم بفزعٍ قبل أن تصحو مرة أخرى من نومِها، لكنها هذه المرة ظلت تنظر إلى الحياةِ، من نافذتها، بشك كبير.

كانت ترتدى الأسود عندما عادت إلى المسرح. قلبها قطعة فحم محروق. سمعت عبارات التعازى تنهال عليها وهى تمشى أمامهم. تجيبهم بإيماءة صغيرة مملوءة بالامتنان. "يا لملائكيتها!". بينما يهمسون من حولِها "يا لملائكيتها!"، بينما يهمس آخرون متقززين "مات والدها بالأمس واليوم تعود للمسرح"، وسمعت همساتهم ولم تبالِ بها. من يعرفها؟ قلبها حزينٌ مثل شمعة، وجسدها بالٍ مثل رماد. لكن والدها تعب فى كتابة هذه المسرحية وأحبها بعمق. لقد أخبرها فى أيامه الأخيرة "سأموت قريبًا.

فهل أجد الفردوس المفقود؟"، وأخذَ نفسًا من السيجارة التى حذره الأطباء منها وقال "الفردوس التى فقدها الإنسان والشيطان معًا فى آن، فيا لنا من مساكين".

الأرضُ جحيمٌ معدٌّ بإتقان. حفرٌ مملوءة بالحممِ وماء النار. كثبان من الظلام تهيم وتهيمن على الهواء. أفكار مدنسة ووساوس تملأ قلب ريم. وهى كانت تمشى على المسرحِ بسعادةٍ، تتأمل التفاصيل الصغيرة. لقد كان لوسيفر يستند بظهره على جدارٍ، على الجدار منقوش تاريخ جميع الهزائم، وعلى لوسيفر غبار الحروب. كان أسود اللون، كما - يليق بملاك ملعون -، وبريش ناعم، وجناحين.؟ ولمّا دققت النظر لم يطل البقاء. ناداها صوت زميلها "ريم. أنا عادل"، وعرفت أنها ستسمع خبرًا لن يعجبها.

ولم يكذب حدسها إذ قال "لقد غير المخرج المتغطرس النص تمامًا"، وأحست أن والدها لم يمت سوى الآن. عدت تجاه المخرج وقبل أن تسألَ سألها "من أنتِ؟" فأجابت "إحدى الملائكة"، فرد كمن يقرأ ما فى الصدور "إذن على الملائكة إطاعة أربابها، وأنا هنا هو ربك"، وبالرغم أن مشهد رقصتها القصير لم يبدل لكنها لم تطمئن. قررت أن تتسللَ وتعيد قراءة النص. ولمّا قرأت جزت على أسنانها وانتابها غيظ شديد، وأحست بتلك اليد السوداء تلمس ظهرها وتربتُ عليها فانتفضت، والتفتت، ولم تر أحدًا. لا شيطان ولا إنسان، كانت وحيدة جدًّا فى هذا العالم، لذا عدت هاربة إلى الخارجِ.

نصحتها صديقتها أن لا تترك دورها. قالت لها "اقترب العرض. وربما ستولدين هنا". فسلمت بالأمر. لكن المشكلة ظلت تؤرقها، وكذلك الهلاوس ظلت تطاردها. يزورها لوسيفر فى أحلامها ويخرج إلى واقعها. تراه جالسًا فى العماءِ بعد الملحمة الأولى، يخط على الجدارِ وينحت أسرارها، لكن الزمن يخون ويمحوها. ترمقُ "فؤاد" الذى يقوم بدوره بازدراء. يبدو مهرجًا، لن يلبس أبدًا شخصية لوسيفر.

ولوسيفر بطل ذو هيبة، بطل أسطوري. ينهضُ والأرض مقفرة وملغمة بالعتمةِ ويصيح فى جندهِ المهزومين "هيّا أيها الملاعين مثلي. انهضوا" فينصاع الجميع.
وريم تفاحة حلوة. بريئة ومدنسة. ريقها عذب مثل نهر. عندما اعترف لها "عادل" اليوم بما فى صدره قالت بدلال طفولى "وأنا أيضًا أحبك". وتواعدا. بالرغم أنها فعلت المثل بالأمس مع فؤاد. لكنها مع هذا لم تحس بميلٍ سوى إلى لوسيفر. لقد دخل قلبها وتسلل إليها.

وتأكد لها بأن هلوساتها أقرب للواقع وأصدق، لقد همسَ فى أذنها، وليس للمرأة أجمل من كلمات تُهمس فى أذنِها، وليس للمرأة أجمل من وسوسةِ شيطان. لم يكن شيطانًا مخيفًا، كان محض ملاك أسود اللون، دون قرنين، وبجناحين كبيرين يحلق بهما ويحملها إلى ما شاء. لقد واعدت الجميع من أجل خطتها، ضبطت جدول مواعيدها، وجعلت الأمر سريًّا، غامضًا، وخطرًا.
فى المرة الأولى التى حلقا فيها قالت ريم لعاشقها "كنتُ أخاف منكَ"، سألها "لم؟" فضحكت ضحكتها الطفولية وقالت "لأنك ملعون".

ونزلا فى صحراء بعيدة وقبلها فى رقبتها وقال "كل ثائر شيطان حقيقي". وهى شعرت بجسدِها يسيح مثل الشوكولا وقالت "أنتَ ملاك. كل ما فيك سماوي. وأنا أؤمن بك"، ودغدغ شفتاها بالقبل أكثر وقال "كل ما فى الأمر أننى فقدت لونى لا جوهري، لكن البشر مساكين، يخلقون الأكاذيب ويصدقونها". فضحكت كثيرًا وقالت "وأنا أصدقكَ، وأصدق ميلتون، لأننى لم أرَ يومًا أمنا الغولة، أو غرفة الفئران، أو السلعوة، ولم أرَ لك قرنين".

وريم تفاحة حلوة، بريئة ومدنسة، ريقها عذب مثل نهر. ظلت على مواعدتها للجميعِ. بينما لم يدق قلبها سوى لـ لوسيفر. يخرجان معًا بعد منتصف الليل ليتمشيا أسفل ضوء القمر. تخلع حذائها وتمشى حافية القدمين. تضحك وتقول "أمى لا تسمح أبدًا بهذا". يسألها متعجبًا "المشى حافية؟!"، فتتابع "أقصد أن أخرج متأخرًا هكذا. العالم مكان شرير كما تعرف". فيبتسم لها ويقول "أكثر من يعرف يا صغيرتي!".

تسأل فجأة "لماذا لم تكونا صديقين؟" يسألها مندهشًا "من؟". فتقول ببساطة "أنتَ وآدم. ربما لو عرفك جيدًا لفضلك عن الجميع". ولم يعرف بماذا يرد. سكتَ قليلاً ثم تنهد قائلاً "آه. يا طفلتى الصغيرة. لقد اصطفانى الله لأفسر لآدم وجوده". فكرت فيما قال ثم هزت رأسها رافضة "لكننى لا أجد المعنى، وسكتت لحظة قبل أن تومض فى عقلها فكرة وتقول "أوه؟. أيها الملاك الأسود. أيها القربان المقدم لنا. وأنت أيضًا لا تجد المعنى".

ارتفعت الستارة أخيرًا. ولاح من وراءها ملك. ريم ترقص فى ملكوت سماوي. تدور، على قدم واحدة، حول ذاتها. أسفل أقدامها يجلس الربّ يراقبها. تعلو صوت الموسيقى وتتصاعد بينما ريم تقفز للأعلى.

تقفز مثل بجعة سعيدة. تفتح أقدامها عن آخرها وتقفز. والمخرج يراقبها ولا يبالى بما يدور فى نفسها.

وحدة الأجزاء فقط هى الأهم. لعبة بازل هى الحياة. قطع مشتتة لا رابط بينها. كل قطعة لها حكايتها، وفرادتها. والربّ لا يبالي.

تهدأ الموسيقى فجأة وتميل إلى نغم حزين. تجلس ريم على الأرض وتشير إلى صدرها. تنكمش حول نفسها وهى ترقص. يتعجب الربّ مما يحدث. انهزم لوسيفر وثواره. وصار العرش السماوى آمنًا. فلماذا هذه الملاك تحزن؟ تنهض فجأة. تعلو صوت الموسيقى. يتسلط الضوء عليها من بين جميع الملائكة.

تجري. تقفز. تهتز السماء على صوت دقات قلبها. ها هى طبول الحرب. تجري. تقفز. تفتح باب السماء فيدلف منها لوسيفر وثواره. ملاك أسود اللون وملعون.

يشعر الرب بالفزع ويصرخ "ماذا تفعلين؟".

يمتلأ المسرح بالشياطين، والملائكة، والبشر.

كل ما يبغاه الجميع.

هو القليل من الرقصِ.


موضوعات متعلقة..


قصور الثقافة تعلن عن نتيجة المسابقة الأدبية المركزية لعام 2015/2016






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة