والمعروف أن الإيمان نصفه صبر والنصف الآخر شكر، كما قال رسول الله (ص): "عجبا لأمر المؤمن كل أمره خير، إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ولا يكون هذا إلا للمؤمن"، والشكر لغة مشتق من شكرت الدابة إذا ظهر عليها أثر الغذاء سمنة فى شحمها وزيادة فى وزنها، والدابة الشكور هى التى يظهر عليها من السمن فوق ما تأكل، وعلى هذا فشكر العبد للنعمة هو ظهور أثرها على جوارحه، أما على قلبه ولسانه: فبحمد المنعم على نعمه والثناء عليه، وأما على باقى الجوارح: فباستخدامها فى محاب الله وطاعته.
وللشكر ثلاثة أركان:
الأول معرفة النعمة التى تؤدى إلى معرفة المنعم.
والثانى قبولها وتلقيها من المنعم بإظهار الفقر والفاقة اليه، وان وصولها إلى العبد انما هو بمحض جود المنعم وفضله وبغير استحقاق منه ولا بذل ثمن.
والثالث: الثناء على المنعم بما يليق بذاته، والتحدث بنعمته والأخبار بوصولها إليه من جهته قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (11) سورة الضحى.
والشكر أيضا على درجات ثلاثة:
الأولى: الشكر على المحاب: وفيها يتساوى المؤمن شديد الإيمان وغيره ممن ايمانهم ضعيف، فكلهم يردها إلى الخالق، ولكن الشأن فى تمام حقيقة الشكر على النعمة هو الاستعانة بها على مرضات المنعم، وقد كتبت عائشة رضى الله عنها إلى معاوية رضى الله عنه " إن أقل ما يجب للمنعم على من أنعم عليه أن لا يجعل ما أنعم عليه سبيلاً إلى معصيته".
أما الثانية: فالشكر فى المكاره: وهو أشد وأصعب من الاول ولا يكون إلا من احد رجلين، الاول لا يميز بين الحالات فيستوى عنده المكروه والمحبوب فيكون شكره فى المكروه اظهاراً منه للرضى بما نزل به، والثانى يميز بين الاحوال فهو لا يحب المكروه ولكن اذا نزل به شكر الله تعالى عليه فيكون شكره كظماً للغيظ وستراً للشكوى.
أما الثالثة والأخيرة: أن لا يشهد العبد إلا المنعم، فإن شهده معبوداً استعظم النعمة منه، وان شهده محبوباً استحلى الشدة منه، وإن شهده فردا- أى لم يشهد معه غيره من المخلوقات - لم يشهد معه نعمة ولا شدة، وهذا مقام أهل القرب، الذين فرغوا قلوبهم تماماً مما سوى الله وملؤها به فقط جل وعلا، ندعو الله أن يجعلنا جميعاً منهم اللهم آمين.