«قتل البكباشى مصطفى حافظ نتيجة ارتطام سيارته بلغم فى قطاع غزة وقد نقل الجثمان للعريش ومنها جوا للقاهرة، وكان حافظ من أبطال فلسطين، ناضل من أجل استقلالها وتحريرها، وسجل التاريخ أعمالا جعلت اسمه يزرع الرعب بداخل قلوب الإسرائيليين».
هكذا كتبت صحيفة الأهرام فى يوم 13 يوليو 1956 خبر استشهاد الضابط المصرى الحائز على ألقاب: «أبوالفدائيين» و«الشبح» و«الرجل الظل» و«صاحب الأعصاب الفولاذية» وغيرها، وهى ألقاب تصف بطلا استثنائيا فى تاريخ مصر والعروبة، كان له صولات وجولات ضد الاحتلال الصهيونى لفلسطين، مما جعل التخلص منه هدفا إسرائيليا تحقق فى الخامسة من صباح مثل هذا اليوم «12 يوليو 1956».
هو ابن العسكرية المصرية بعمقها الوطنى والقومى، ولد فى قرية «كفر أبوالنجا» التابعة لـ«بندر طنطا» فى 25 ديسمبر 1920 وخريج الكلية الحربية عام 1940، وابن مرحلة النضال الوطنى لطرد الاحتلال الإنجليزى من مصر، وفيها نمت أسطورته، وكان ملازما فى سلاح الفرسان، وحصل على فرق فى الطبوغرافيا عام 1943، وأخرى فى الأسلحة وفى «الشؤون الإدارية» عام 1951، وفى يوليو 1948 انتقل إلى إدارة «الحكم الإدارى» لغزة وكانت تتبع الإدارة المصرية وقتئذ، وفى أكتوبر 1948 عين حاكما لرفح، وهو بهذا الوضع اكتسب معرفة على الأرض بالأوضاع فى غزة، وبالإضافة لكفاءته العسكرية اختاره جمال عبدالناصر لقيادة كتيبة للأعمال الفدائية تقرر إطلاقها فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
ذهب «حافظ» إلى مهمته السرية، وواجه الوحدة 101 التى شكلها «شارون»، رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد، للاعتداء على قرى فلسطين، وفى مهمته سجل ملحمة تاريخية نادرة بدءا من عام 1955، وفى هذا العام شنت إسرائيل غارة «السهم الأسود» على غزة «28 فبراير»، واستشهد فيها 39 جنديا مصريا وقتل 8 جنود إسرائيليين، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس»: «سافر جمال عبدالناصر فى اليوم التالى مباشرة إلى غزة ليرى بنفسه آثار العدوان، وبات ليلته فى العريش، بعد أن قضى النهار فى غزة، وأثناء ذلك قامت إسرائيل بغارة ثانية على مركز مصرى بالقطاع».
فى غزة كون «حافظ» شبكة فدائية سرية واسعة تنتشر فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ونفذت أعمالا فدائية عديدة فى عمق المدن الإسرائيلية مثل «اللد» و«تل أبيب»، وبعض هذه العمليات تم فى مستوطنات مثل «ريشون لتسيون»، وعندما عرف الموساد أنه «رجل الظل» فى كل هذه العمليات قرر اغتياله.
ووفقا لصحيفة «المصرى اليوم» «25 إبريل 2014» نقلا عن صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، قال «مردخاى شارون»، قائد الموساد الإسرائيلى سابقا، إن اغتيال مصطفى حافظ ضابط المخابرات المصرية الأسطورى فى غزة، كان من أهم العمليات التى شارك فيها، وأضاف: «عرفنا أنه يحب معرفة كل شىء بكل التفاصيل، وأن أحد شيوخ القبائل فى النقب يدعى عامر الطلالقة كان عميلا مزدوجا عمل لصالحنا، وفى نفس الوقت لصالح مصطفى حافظ والمخابرات المصرية، فقررنا أن نرسل من خلاله رسالة ملغومة إلى حافظ، وأوهم وفد من الاستخبارات الإسرائيلية «الطلالقة» بأنهم يريدون توصيل رسالة مهمة إلى قائد شرطة غزة لطفى العكاوى.
واصطنع الإسرائيليون أنهم يسربون إلى «الطلالقة» أن «العكاوى» يعمل معهم بواسطة جهاز اتصال يعمل بالشفرة، ولأسباب أمنية ستتغير الشفرة، أما الشفرة الجديدة فستكون موجودة فى الكتاب الموجود فى الطرد المرسل إليه الذى سيكون مطلوبا أن يحمله «الطلالقة» إلى مكان فى مقبرة بغزة، ومن هناك سيلتقطه عميل آخر لتوصيله إلى «العكاوى»، ويتابع «مردخاى»: «كنا نعلم أن «الطلالقة» لن يبلغ حافظ بالرسالة وحسب، بل سيسلمها له يدًا بيد، وهذا ما حدث، وفتح الرسالة لتنفجر فى وجهه ووجه «الطلالقة»، ليصاب حافظ بإصابات بالغة توفى على أثرها فى اليوم التالى، وفقد«الطلالقة» عينيه».
فى يوم 26 يوليو عام 1956 أعلن «عبدالناصر» تأميم قناة السويس أمام عشرات الآلاف فى ميدان المنشية بالإسكندرية، وقال فى خطابه: «من أيام قليلة مضت، استشهد اثنان من أعز الناس لنا، مصطفى حافظ قائد جيش فلسطين وهو يؤدى واجبه من أجلكم ومن أجل العروبة، مصطفى حافظ اللى آل على نفسه أن يدرب جيش فلسطين، فهل سها عنه أعوان الاستعمار؟ هل سهت عنه إسرائيل صنيعة الاستعمار؟ أبدًا، ولكنهم هل يعتقدون بقتله لن يجدوا من يحل محله، سيجدون فى مصر كل واحد يحمل هذه المبادئ ويؤمن بها».
كان البطل الثانى الذى قصده عبد الناصر هو الشهيد صلاح مصطفى، وله قصة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة