خليل أبو شادى يكتب.. "مملكة الفراشة" للجزائرى واسينى الأعرج عن هشاشة الإنسان فى بلاد طحنتها الحرب الأهلية.. الرواية تمد التساؤلات إلى جدوى الحضارة والفن فى مواجهة آلات التدمير

الجمعة، 15 يوليو 2016 06:58 م
خليل أبو شادى يكتب.. "مملكة الفراشة" للجزائرى واسينى الأعرج عن هشاشة الإنسان فى بلاد طحنتها الحرب الأهلية.. الرواية تمد التساؤلات إلى جدوى الحضارة والفن فى مواجهة آلات التدمير غلاف الرواية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خليل أبو شادى- 2015-07 - اليوم السابع

مملكة الفراشة هى مملكة الهشاشة، التى التى يعيش فيها الناجون من الحرب الأهلية، بعد ظنهم أن عمرا جديدا كتب لهم، فاكتشفوا أنه بعد الحرب الأهلية، هناك حرب صامتة، لكنها دامية.

حاول الأديب الجزائرى واسينى الأعرج، فى روايته "مملكة الفراشة"، الصادرة عن دار الآداب، والحائزة على جائزة كتارا، حشد أكبر كم من الأدوات الفنية فى مواجهة آلة القتل والإفساد الصامتة، فيلعب بالأسماء والأعمال الأدبية العالمية، ويملأ بها صفحات الرواية، وكذلك الأعمال الموسيقية العالمية الشهيرة، فى لعبة تناص هائلة مع الكثير من الفنون. بل ويحشد الكاتب حتى الآلات الموسيقية، ويظل يدور حولها، ليقرب عمل هذه الالات من القارىء، ليشعره بجمال الآلة الموسيقية، كالكلارينات، والباس، والساكس، والهارمونيكا، وغيرها.

وخلال حربه على أدوات التدمير، يلعب الراوى فى "مملكة الفراشة" لعبته الرائعة بالأسماء، فيبدل ويغير فى أسماء شخوص روايته، مستبدلا بها أسماء شخصيات روائية أخرى، فالأب زبير يتحول اسمه إلى "زوربا"، كرمز لرفض الدلالة التاريخية للمحارب "الزبير بن العوام"، والانتصار لحب الحياة الذى يمثله زوربا فى رواية الأديب اليونانى نيكوس كزانتزاكس. والحبيب يتحول اسمه من فادى إلى "فاوست"، والأم يتحول اسمها إلى "فرجينيا"، نسبة إلى الأديبة فرجينيا وولف.

ويعرض واسينى الأعرج روايته عن طريق راوية أنثى، وهى مخاطرة جريئة أن يتحدث كاتب رجل بلسان أنثى، وقد نجح الكاتب فى التعبير عن مشاعر الأنثى، بل واستطاع استشفاف أحلامها، وتصوراتها الجمالية، وغضبها وحنقها ولحظات ضعفها.

ومن شخصيات الرواية الأب "زوربا" الخبير العالمى، الذى استطاع بمواقفه الإنسانية المبدأية، إنقاذ ابنه "رايان" من القتل المحقق على يد الإرهابيين أثناء اختطافه فترة أداء الابن خدمته العسكرية، التى قضاها أيام الحرب الأهلية، لكنه لم يستطع إنقاذه من آثار فترة الاختطاف هذه، بل لا يستطيع الأب ذاته الدفاع عن نفسه فى مواجهة مافيا الأدوية، الذين يعيثون فى البلاد فسادا، فانتهى الأمر بمقتل الأب "زوربا"، وضياع الابن فى دوامة المخدرات، التى أدمنها بسبب عقاقير تعاطها بأمر الطبيب النفسى لعلاجه من الأزمة النفسية الناتجة عن فترة تجنيده واختطافه، ثم إيداعه السجن بعد اتهامه بقتل مربى الخيول الذى قضى على مشروع "رايان" بتربية عدد من الخيول.

الأب نفسه، بعد انحساره فى منزله لخلافاته مع الفاسدين المتاجرين بمستقبل الوطن، يتم اغتياله بيد مافيا الأدوية، فى مشهد أتقن الكاتب رسمه، واستخدم فيه أدواته، بتشبيه المشاهد بلوحات تشكيلية عالمية.

الأم أيضا تذهب فى نوبات جنون، تعيش خلالها فى زمن وهمى، مع حب وهمى لكاتب فرنسى شهير، توفى يوم ولادتها، وتؤدى بها هذه النوبات فى النهاية إلى الموت.

الأخت التوأم تنسلخ من العائلة والوطن، وتسافر إلى الخارج لتتزوج وتعيش بعيدا عن هموم الوطن والعائلة، ولا تعود إلا لأيام بعد وفاة الأم، لتحصل على نصيبها فى الميراث.

أما الشخصية الرئيسية، وهى الراوية، فتقع –عن طريق الفيسبوك، فى عشق فنان مسرحى شهير هاجر من بلاده خلال الحرب الأهلية إلى إسبانيا، ويستعد للعودة إلى وطنه.

وقعت فى حبه عبر الإنترنت دون أن تقابله شخصيا، وذلك على مدى أكثر من ثلاث سنوات، لتكتشف عندما تقابله، أن من كان يحدثها على الفيس بوك ليس هو الفنان، وإنما شخص آخر عهد إليه الفنان بإدارة صفحته على موقع التواصل الاجتماعى، لتصل الرواية بهذا الموقف إلى قمة الشعور بالهشاشة، إنها حقا رواية عن عالم هش، يعيش على الهامش، فى بلاد طحنتها الحرب الأهلية والفساد وثقافة القتل.

ولكى نلمس المناخ الذى دفع أبطال الرواية إلى هذه المصائر المأساوية، اخترت أحد أكثر المقاطع قسوة فى الرواية، وفيها يحدث رايان شقيقته، كالتالى:

"أشعر بألم كبير على إسماعيل، صديقى فى الخدمة الوطنية. لقد ذبحوه أمامى مباشرة بعد المكالمة التليفونية، التى طلب فيها أخوه أن يمزقهم إربا، لأنهم قتلة ومجرمون.

قطعوا رجليه فى البداية، وكلما صرخ قالوا له: نحن ننفذ ما طلبه منك أخوك فعله فينا. ثم قطعوا يديه، ثم بتروا... وهو يصرخ بأعلى صوته، ويستجديهم أن يرحموه بقتله، ثم فقأوا عينيه بأصابعهم الغليظة. ثم قطعوا أظافره وخلعوا أسنانه وهم يتلذذون. حاولت أن أتفادى مشهد الدم، لكنهم ضغطوا على رأسى بقوة، ومنعوا عينى من الانغلاق.

قال أحدهم وهو يصرخ فى وجهى: شوف يا واحد الطحان واش راه يستناك، وإسماعيل يردح كالشاة فى دمه قبل أن يقطعوا رأسه من القفا بمنشار صدىء.

خائف من كل شىء يا ياما، خائف جدا. من النوم. من الظلال التى أصبحت أراها فى كل مكان. خائف من البيت. من الخارج. خائف منهم لأنهم سكنوا فى".

لدى فى النهاية عدد قليل من الملاحظات أنهيها بتساؤل، فالرواية تعانى من تكرار بعض الألفاظ بشكل كبير لا أعتقد أنه كان دائما يخدم أهداف الرواية، مثل "الهبل، مهبول، مهبولة، الهارب، الهاربة"، وبعض الحوارات مربكة لا تستطيع تمييز ملامح الشخصية، مثل الحوار بين الراوية والموظفة فى البنك فى النصف الثانى من الرواية، وهو الحوار الذى إن حذف لا أعتقد أنه يؤثر على الرواية، ولكن هذه الملاحظات قليلة جدا بالنظر إلى العالم المؤثر الذى خلقه واسينى الأعرج فى الرواية.

أما التساؤل، فهو كالتالى: هل يقصد واسينى الأعرج فى روايته عرض أنماط من هشاشة الإنسان الخارج توا من الحرب الأهلية، أم أنه يقصد أكثر من ذلك، ليمتد إلى هشاشة الحضارة الإنسانية بكل ما تنتجه من فن وعلم وحضارة، أمام آلات التدمير والحرب والفساد.



موضوعات متعلقة:


الجزائرى واسينى الأعرج: الخوف واليأس يسيطران على الخطاب الثقافى العربى





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة