ولد أنسى الحاج فى بيروت عام 1937، وماتت والدته وهو فى السابعة من عمره، تركت هذه الخسارة عنده جرح عميق، رافق حياته ومسيرته الشعرية، كما قال.
كان أنسى الحاج يعمل فى الخطوط الخلفية، محبا للعزلة والانفراد، متواضعا يفضل العمل فى الكواليس، لا يحب الظهور والمشاركة بالمهرجانات والندوات ولا حتى بالقراءات الشعرية، على عكس زملائه الآخرين فى مجلة شعر.
وكان يرى أن الأدب ليس له حدود، أعماله النثرية والشعرية منتشرة فى أرجاء العالم العربى وله مريدون كثيرون يقلدون أسلوبه، لقد طور أسلوب جمالى فى الشعر العربى لم يكن من قبل معروفا وبذلك استطاع استفزاز العديد من النقاد والكتاب، أعطى اللغة الشعرية تعابير وموتيفات وصورا جديدة.
توفى يوم 18-2-2014 فى بيروت عن عمر ناهز 77 عاما، ويعتبر أنسى الحاج إلى جانب أدونيس ومحمود درويش من رواد القصيدة العربية الحديثة، سليمان توفيق ينعى رائد قصيدة النثر العربى السريالى الفوق واقعى والشعر النابع من التجربة الحياتية للإنسان والمتخلص من كل ما يعيق الجوهر من الظهور.
قصيدة شتاء الحاج
حين أسمعكِ أيتها الأنغامُ، حين أقف، حين أتربَّص بكِ
أيتها الرسومُ ذاتُ الأصداء
حسدى يعلو غَرَق اللذَّة،
ويُقال لي: الوقتُ الذى سبقنى طعننى فى ظهري!
وكفتاةِ أعمالٍ
عيناها جدولٌ من الجَلْدِ
وكفتاة أعمالٍ عيناها أوسعُ من التاريخ الحيّ
أقذف القائلَ كما فتاة الأعمالِ تقذف خادمَ القهوةِ
الصغيرِ
من رأس الدَّرَج
وينكبّ الماءُ الساخن على عينيه وبطنهِ
ويجلدها تعذيبه
لأنه حمل القهوةَ فى وقتٍ كانت تريد إما أنا أو
رأسي.
لى صديقٌ «يتونّس» بقنديلٍ
(بمصباح كهربائى كالقنديل)
على مكتب منظّم بالفراغ والأسماء
ويبدو طيّباً وسطَ المدينة.
لا يقرأ الكتبَ المحرَّمة
تراقبه أيقونةٌ بيزنطيّة
كأنما هو شهرُ مريمَ
يتكرَّم على بصوت مُبَطَّن بالمعاطف وكرافعةِ
الأثقالِ
يبعدنى بعيداً ولا يطلب قرشاً
وعندما يطوف الجميعُ بشتائمي
يمرّونَ
فألفّه بالقطن وأحجزهُ
خلف أذني.
مهما كان
ورغم الأحلامِ المغبّشةِ التى أدهمها فجأةً
فكما أن لى صديقةً هى فتاةُ أعمالٍ وانتهى الأمرُ
وكما أن لى صديقاً حجزتُه وراء أذنى وانتهى الأمرُ
وكما أنى على يدى أحمل غيري
وانتهى الأمرُ
وكما أنى قبل هذا قلتُ هذا وغيره وانتهى الأمرُ
يمكن أنّ ما أحلم به لن
أُحقّقَه
لأن يدي
من حين إلى حين فى الشتاء خاصّةً
تترك أحمالها وتصبح رشيقةً
تصبح ولدي
وتأخذ عطلةً
وتعطينى من وقتها فتحمل
منّي
ورقةً أو دفتراً
دويُّه الماحى نظري
يختنق جهراً !
قصيدة: مرَّ إعصار فلم يقتلع شجرة
لو أخذتُ ورقة وقلماً
وسعيت إلى الرزق
لو تذكّرت الله أو نسيته
وضربت بالمعول
لو غرقتُ فى الأحراج
وتصيّدت فى الغيوم
لما استطعت أنْ أفعل غير الحبّ
فإنّى لا أُخطئ ولا أُصيب إلا فيه.
وحين أكبر أو أصغر
وتخطبنى المسرّات أو السأم
ويُمسك بخناقى حادث
أجلس
آخذ ورقة وقلماً
إلى آخره.
...
أحببتُ
ومرّ إعصار فلم يقتلع شجرة
لذلك عدت فأحببت
ولم أنصب فوق رأسى خيمة
ولا حاولت أن أفصل بين الأرض الصخرية والأرض
الزراعية
لأنّه
إذا كانت الطبيعة تحتاج إلى آلاف السنين لتُحوّل
الصخر أرضًا زراعيّة
فالحُبّ يحتاج إلى لحظة وإنسان ليُحوّل
لحظة أُخرى وإنساناً
إلى السعادة.
وأُضيف أنّى على رغم آلامى كُنت سعيداً
فلن أنسى كيف وَهَبَتُني
فمَها الذى يمتصّ الروح ليُجدّدها.
...
أُحبّ كلمة "مُحرّض" وتُحبّني
ولكنْ لا أسمع فى الأخبار عن الحُبّ
لأنّ الحُبّ يُحرّضنى كثائر يُحرّض الجماعة
والأخبار لا تُذيع عن الحُبّ
كى لا تُذيع عنّي.
وإنّى مُغتبط بهذه المُعاملة السيّئة
فهى تُعطينى غذاء للحقد على البؤس العامّ.
ولهذا
عندما أجلس أمام ورقة وقلم
كما قُلت
دائماً...
قصيدة تحت جفنيها
تُحبُّ الألوان، ولا أعرف لماذا الضجر، مرّات، على
كتفيها.
إذا حنت رأسها فلأنّها أعمق الأوتار. ومرّات، لا أعرف
لماذا مرّات، هى لا تسمع.
أين حبيبتى أين، أسأل، مرّات، وحبيبتى أمامي!
كلّ يوم يأتي، يغيب.
كلّ يوم لا يأتي، يغيب أيضاً!
...
لن أُغادر الحُبّ لن أُغادر حَرْبي. وإذا حبيبتى تُشاهد
الألوان ستُشاهد كم أحميها وأسير فيها.
فأنا اللون الفاتح الذى تُحبّه واللّون الغامق الذي
ستُحبّه.
أنا المُغمَضُ تحت جفنيها.
قصيدة الواو والفاصلة
من أجمل ما يمكن أنْ يَحْدث هو أنْ ترمى نفسك
كُلَّ يوم من النافذة بتلذّذ مُتجدّد واكتشافات فاتنة.
أنْ تُكاتب امرأة مجهولة فتُحبّها وتشتهيها ثمّ تلتقي
بها و، نقْضاً لتخوّفاتك، تجدها مذهلة.
أقول ذلك على سبيل المثال فى ما يتعلّق بما
نسمّيه الصُّدْفة، أى الحتميّة.
إنّي، كالخاضع لنفوذ المُخدّر اللّطيف، عظيم
التفاؤل، فى لحظة من لحظات التشاؤم الأقصى. عظيم
التفاؤل بما لا بُدّ من حُصوله فى المُستقبل الذي
يرعى ذكرياتي.
عظيم التفاؤل بما وراء التأييد والإنكار، عظيم
التفاؤل بما وراء المُتناقضات، عظيم التفاؤل بالفردوس.
أى فردوس لا أعرف. ستكون فيه امرأة آتية
باستمرار من الشمال كى أمنحها جسدها، كى أمنحها
كياننا، كى أمنحها الحُرّيّة، وأكون مَلك العبادة
والاستعباد.
كلامى ليس مُشرقاً أو جليّاً لكنّى عرفتُ ماذا
تقصدون منه.
قصيدة: الذئب
فى قصص الكبار للصغارْ
ذئب يكونُ دائماً
وراء أحجار
وراء أسفار
وراء أشجار
وراء بُستان من الأزهار.
...
ويهجمُ الذئبُ
فى قصص الكبارْ
ليأكل الصغار.
...
وذهب الكبارْ
وأقبَل الصغارْ
وذهب الصغار.
...
ويوم لم يعدْ
يأكلنى الذئبُ لكى أنامْ
بكيتُ عشرين سنةْ
ومتُّ من شوقى إليكْ
يا ذئبُ
مِنْ شوقى إليكْ!
موضوعات متعلقة..
أنسى الحاج.. جوجل يحتفل بـ79 عاما على ميلاده.. تعرف عليه