لا تتعجل عزيزى القارئ المحترم فهذا ليس عنوان لفيلم جديد، أو استكمالا لمسلسل مشهور بل أننى من الممكن أن أقتبس من ذلك المسلسل الشهير عنوانه، فالعنوان هو ( بيت القصيد ) فى مقالى هذا حيث اسم المسلسل ( لن أعيش فى جلباب أبى )، وبالتأكيد مع احترامى لأصحاب هذا العمل الفنى فقد أصبح هذا العنوان الفنى واقعا مريرا، ولكن ليس على "خطى الوالد" كما عالج المسلسل القضية فقط، بل القضية الأصلية الآن هى الجلباب نفسه الذى أصبح حديث الجميع
فمن المتعارف عليه وعلى مستوى العالم أن الشعوب تحترم دائمًا التراث الخاص بها ونرى ذلك موجودا فى أعتى الأمم المتحضرة حول العالم فهذا الموروث الشعبى يمثل جزءا من تاريخ الأمم، وحتى فى حالة "التمدن الكامل فى بعض الأمم" إلا أنهم يقيمون احتفالات خاصة بموروثاتهم الشعبية ومنها بالتأكيد الزى الخاص بالآباء والأجداد فهو يمثل لهم نوعا من الفخر والتاريخ المشرف .
إلا أننا وفى غفلة من الزمن أصبحنا نجعل من هذا الموروث الشعبى الجميل لدى البعض مدعاة للسخرية والنكات السخيفة هذا على مستوى ( سفهاء القوم) أما ( ما زاد الطين بله) كما يقول مثلنا الدارج هو هذا المنع المتغابى لدخول أصحاب الجلباب للاماكن العامة بل وقاعات الأفراح فى بعض الأماكن .
كدت لا أصدق نفسى وأنا أشاهد هذا العالم الجليل والمثقف الجميل وهو يمنع من دخول أحد الأماكن البسيطة لأنه يلبس الجلباب فهو من صعيد مصر الجميل ورغم إقامته فى القاهرة لكنه استحى من أن يطل على أهله من أهل الصعيد وهو يرتدى لباس "الفرنجة" كما يسمونه قديماً، فتكون المفاجأة أنه تم إلغاء الحفل فى هذا المكان بسبب لبس معظم الحضور للجلباب.
فيتقبل صديقى الوضع على مضض ويصطحبنى فى نزهة بسيطة ليكمل لى حكاية الجلباب وهو يحس بغصة فى حلقه فيقول (معظم الشعب المصرى يلبس الجلباب من شمال مصر إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، بل الجلباب هو السمة السائدة ، وهو موروث مصرى هام ومميزاته عديدة، فترى فى صعيد مصر مثلا المستشار والطبيب والعالم والفقيه بعد انتهاء عمله يلبس الجلباب ويتجول بين النجوع والأراضى الزراعية كأحد أفراد مجتمعه الذى يستحى أحياناً من لبس تلك الملابس "الدخيلة الضيقة"، فمن أهم خواص الجلباب أنه يُذيب الفوارق الاجتماعية بين الناس مما يساعد على تماسك نسيج المجتمع .
ثم يضحك صديقى من أعماق قلبه وهو يقارن الجلباب بالملابس الحديثة من حيث السعر فيقول (من الممكن أن تصبح (أفندى) بمائة جنيه فقط من خلال ( بنطال وقميص ) من أسواق ( الكانتو أو البالة ) لكنك لن تجد جلباب يليق بك فى تلك ألاماكن فتُجبر على ( تفصيل ) الجلباب الذى يكلف مبلغ وقدره بمعنى آخر الجلباب سعره يشترى عشرة أطقم من تلك الملابس الحضارية كما يصفونها .
بالتأكيد عزيزى القارئ ليس هذا هو الوقت المناسب لعقد مقارنة بين الجلباب وغيره من الملابس التى يرتديها الناس، ولكن المؤكد أننا بدأنا نخطئ فى حق أهلنا فى ريف مصر عندما بدأنا نجرم دخول من يرتدى الجلباب بعض الأماكن العامة أو نجعله عرضة لسخرية ( السفهاء )، فهل يتقبل أحد أن يخرج علينا ( نقيب الفلاحين) مثلاً فى ( التليفزيون ) وهو يرتدى البذلة ؟ بالتأكيد سيكون شىء مستهجن حتى من دعاة التحضر ( الشكلى ) ، أو هل نجد منع لأعضاء البرلمان من ممثلى ريفنا الجميل من دخوله لمجرد لبسهم هذا الزى الذى يشتهرون به، فكل ما يجب علينا الآن أن نحترم تراثنا المشرف وأن نجعل سيادة القانون على الجميع هى الشغل الشاغل فلا ننظر للناس بحسب ما يلبسون أو بمقدار ما يملكون.
مسلسل ( لن أعيش فى جلباب أبى )
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة