بالطبع الهيكلة الجديدة للنشر، سواء فى هيئة الكتاب أو قصور الثقافة، قابلة للانتقاد، وصارحة لتساؤلات، وبها أسماء جيدة معروفة بكفاءتها، وأسماء أخرى اختيارها فى حد ذاته أمر غريب، إلا أن ذلك لا علاقة لها بالهجوم الذى شنه موظفو وزارة الثقافة على الحركة التى أبعدت الكثير منهم، واعتمدت على أسماء من خارج الوزارة.
فسرعان ما هاجم الأدباء الموظفون (والذين عين أغلبهم وحصلوا على وظائفهم مجاملة وبالواسطة دون أى معايير وحصلوا عن فرص غيرهم)، وخرجوا وأبعدوا عن السلاسل ومن إدارة المجلات، القرارات الجديدة، تحت شعارات وهمية، منها أنها أبعدت الكفاءات من موظفى الهيئتين، أو ضحت بالأدباء من أبناء الوزارة، وسماها البعض بالمذبحة، وانتقدوا الاختيارات الجديدة، بدعاوى عدة، منها أن بها مجاملات، واعتبرها حلقة جديدة من حلقات الانهيار الثقافى الذى نعيشه.
بل إن رئيس تحرير إحدى الإصدارات تنازل عن درع تكريم منحته له الهيئة من أيام، ونشر عددا من التدوينات على "فيس بوك"، مؤادها "أن الوزارة أخدتهم لحم ورمتهم عظم"، فقط لمجرد أنه عاد لعمله فى الوزارة، وأبعد عن إدارة تحرير إحدى المجلات، بعد سنوات من العيش فى نعيمها ببدلاتها ومكافاءتها، حتى كان يصفه باقى موظفى الهيئة، هو وزملاءه، بأنه كان فى إعارة بإحدى الدول العربية، يذهب للعمل ساعات محددوة ويحصل على مرتبات مضاعفة.
جاءت اتهامات الموظفين من الكتاب إذن لتضعنا فى مشهد بؤس، فالذين اعتبروا أنفسهم كفاءات لم يذكروا لنا أمارات ذلك، وصورا لنا الأمور فى الهيئتين وكأنها كانت على خير ما يرام، وكأن لم يكن هناك شاعر يسيطر وحده على 3 سلاسل، لسنوات. وكأن الكتب التى أصدرها هؤلاء كان يتلقفها السيارة والناس، وكأن لم تخرج إصدارات كدست فى المخازن دون أن يمسسها أحد، بل ويجمع الكل على سوء محتواها.
جاءت اتهامات الموظفين الأدباء للهيئة بإبعاد الكفاءات وكأن لم تكن هناك شبه مجاملة واضحة، واستغلالا للنفوذ ومخالفة للوائح وتكسبا من النشر فى السلاسل والمجلات المسئولين عنها، بأن ينشروا نصوصهم وكتبهم بشكل دورى للحصول على حقوق غيرهم ومكافآتهم.
ما عليك إلا أن تتفقد أرفف الكتب فى منافذ الهيئتين لتتأكد من أن ماكينات الطباعة التى دارت، وكلفت الدولة أوراقا وأحبارا وأموالا، لم يكن من ورائها طائل، وأخرجت كتبا ومجلات رديئة ومهينة للدولة المصرية، وإن كان ليس هناك شك بأنه فى المقابل كانت هناك إصدارات مهمة وتجارب جيدة، وليس هناك من شك أيضا فى أن موظفى الوزارة من المثقفين والأدباء ليسوا مسئولين عن مهازل النشر فى الآونة الأخيرة، وعدم انتظام السلاسل وتوقف العمل لأشهر جرداء، لم تصدر فيها كتب، إلا أنهم كانوا سببا واضحا من أسباب تردى الحال وانهيار مجلات وإصدارت كانت فى يوم من الأيام مضيئة ومهمة.
على الموظفين الأدباء والأدباء الموظفين أن يتساءلوا عن الإضافات المهمة التى أضافوها، وأن يبحثوا عن منجزهم، وعليهم أن يخجلوا من أطنان الكتب والمجلات المكدسة التى أفشلوها، كالثقافة الجديدة وقطر الندى، وذلك قبل أن يطلبوا الاستمرار فى إدارتها، وكأنهم ورثوها، أبًا عن جد، وأنهم يتكلفون نفقاتها من جيوبهم الخاصة ليستمروا فيها مدى الحياة، وينشروا لمن يشأون ويستعبدوا من لا يشأون دون الالتزام بالمعايير، وإن كانت هناك بالطبع استثناءات.
وعلى هؤلاء الموظفين أن يخجلوا أيضا من مخالفتهم لمبادئ التعدد وتجديد الدماء والتغيير وتداول السلطة التى يتشدقون بها، باعتبارها أولويات الديمقرطية، إلا أنها حينما جاءت وغارت على مصالحهم الشخصية، فلتذهب للجحيم، فهم استثناء منها، لا يجب أن يلتزم بها، ويتركوا الفرصة لغيرهم، وكأنهم لم يفشلوا، ويصبح ترأسهم ووجودهم فى سلاسل النشر ما هو إلا وسيلة للكسب والحصول على مكافآت إضافية غير رواتبهم التى يتقاضونها ممن الدولة جراء عملهم كموظفين، وبالتالى حينما خسروا "السبوبة"، وذهبت البدلات، لم يكن هناك بديل لهم إلا مهاجمة الهيكلة الجديدة، وترويج اتهامات باطلة.
موضوعات متعلقة..
- "ذاتية التقنين وموضوعية الغناء".. قراءة فى قصيدة "من الحرب" للشاعر عبد الرحمن مقلد