نقلا عن العدد اليومى...
أى فكر هذا الذى يجعل مسلما يفجر نفسه فى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أواخر شهر رمضان الكريم؟ وأى وسيلة تلك التى أقنعت شابا بأن هذا الفعل جهاد فى سبيل الله، وأن الجنة تنتظره بعد قتل المسلمين الذين يلوذون بحرم رسول الله ويصلون فى مسجده؟!
أسئلة كثيرة يطرحها الحادث المشين الذى فجر فيه انتحارى نفسه فى الحرم النبوى، أهمها أن هذا الشاب الذى قام بهذه الجريمة لم يكن أجيرا ينتظر مالا مقابل جريمته، لأنه يعرف جيدا أنه سيكون أول من يموت نتيجتها، وهو ما يعنى أن هذا الشاب وغيره ممن يقومون بهذه الأعمال الإرهابية يخضعون لعمليات ممنهجة تزرع فى رؤوسهم أفكارا مشوهة عن الجهاد والقتال والشهادة والخلافة ومحاربة الكفار، تحرف فيها الجماعات الإرهابية الكلم عن مواضعه وتقدم لشباب المسلمين تفسيرات مشوهة ومغلوطة لآيات القرآن، حتى تأسر عقولهم وتحركهم كيف تشاء.
لا تختلف أفكار هذا الشاب الذى فجر نفسه فى الحرم النبوى عن أفكار من يقومون بتفجير أنفسهم فى عمليات إرهابية تستهدف الأبرياء سواء كانوا جنودا أو مدنيين، مسلمين أو غير مسلمين، فى مصر أو السعودية أو غيرهما.
تلك الأفكار التى تقنع شبابا غضا بأن المجتمع كافر يجب محاربته وجهاده، وأن قتل الأبرياء حتى وإن كانوا فى حرم رسول الله يصلون ويصومون وينطقون الشهادة جهاد فى سبيل الله جزاءه الجنة، وهو ما لا يستبعد معه أن نرى أعمالا إرهابية وانتحارية فى الحرم المكى وفى موسم الحج.
وفى نفس التوقيت الذى ترتكب فيه هذه الجرائم الإرهابية التى تشوه الإسلام والمسلمين يقدم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر برنامجا يوميا خلال شهر رمضان يعرض فيه الصورة الحقيقية للإسلام، ويتحدث عن تفسير آيات الجهاد والقتال ومفهوم الكفر والإيمان ويصحح فيه مفاهيم تستغلها الجماعات الإرهابية لتجنيد الشباب، البرنامج أكثر من رائع ويجيب عن كل الأسئلة التى تدور فى أذهان الكثيرين، ويقدم الصورة الحقيقة للإسلام الوسطى، ويواجه الفكر المتطرف بالعقل والحكمة والعلم.
ولكن السؤال الأهم لماذا لم يصل هذا الفكر الوسطى للشباب الذين تصل إليهم أفكار الجماعات المتطرفة من كل المنافذ؟ تصل إليهم ديلفرى وهم جالسون على أجهزة الكمبيوتر أو يمسكون بهواتفهم المحمولة أو يشاهدون قنوات متطرفة ويستمعون لدعاة التطرف ممن يشوهون الدين، ويزرعون فكر القتل وسفك الدماء واستحلال أموال الأبرياء ودمائهم وأعراضهم تحت زعم الجهاد، بينما يبقى الفكر الوسطى والإسلام الصحيح حبيس جدران المؤسسات الدينية والكتب التى لا يقرأها إلا العلماء، وبينما يزهد كبار علمائنا عن الظهور فى وسائل الإعلام أو يظهرون ظهورا نادرا. أعرف أن الأمام الأكبر د. أحمد الطيب لا يحب كثرة الظهور فى وسائل الإعلام ويزهد فيها، وحسنا فعل ببرنامجه «الإمام الطيب» الذى ظهر فيه يوميا فى رمضان ليزيل اللبس عن مفاهيم يستغلها المتشددون.
ولكن عفوا إمامنا الأكبر فبرنامج واحد لا يكفى لتصحيح وتقويم أفكار شبابنا المحاصرين بالفكر المتطرف، ولا مكان الآن للعزوف والزهد عن أى وسيلة تصل إلى شبابنا الذى يقع كل يوم فى مصيدة التطرف ويضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يجاهدون ويحسنون صنعا.
إمامنا الأكبر الأمة الإسلامية والعالم بأسره يحتاج لفكرك المستنير، الأمة تناشدك وتناشد علماء المسلمين إنقاذ شبابنا الذى يفجر نفسه ويقتل الأبرياء وهو يردد الشهادة ظنا منه أنه يجاهد فى سبيل الله.
نحتاج خطة محكمة وظهورا واسعا لعلماء الإسلام يصححون فيها ما شوهته الجماعات المتطرفة، يتحدثون عن المفهوم الحقيقى للجهاد والإيمان ويفسرون آيات القتل والجهاد والكفر والإيمان فى القرآن الكريم. لا تبخل يا مولانا على شبابنا بعلمك، اسع إليهم سعيا يفوق سعى الجماعات المتطرفة التى تصل إليهم من كل منفذ، أجمع علماء الأمة وتكاتفوا لتحصين شبابنا من الفكر المتطرف وابحثوا عن كل الوسائل التى تصل إليهم وأجيبوا عن السؤال: لماذا يصل إليهم الفكر المتطرف ولا يصل إليهم فكركم الوسطى؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة