رسم الأمير الفيصل على مدى 40 عامًا قضاها فى وزارة الخارجية السعودية، الخطوط العريضة والمبادئ الراسخة لعمل الدبلوماسية السعودية التى تشهد لها دول العالم قاطبة بالاعتدال والاتزان والمواقف الشجاعة فى أصعب الظروف وأحلك الأوقات.
نجل الأمير فيصل يتحدث فى ذكرى وفاة والده
وفى هذه الذكرى أكد الأمير خالد بن سعود الفيصل أن والده قضى عمره على مقعد الطائرة أثناء سفره فى إنجاز مسئولياته الدبلوماسية أكثر مما جلس على مكتبه فى الخارجية، لافتاً إلى أنه استمر فى رحلات طوال حياته العملية من مؤتمر إلى مؤتمر ومن ملف إلى آخر، همه الدائم هو استقرار المنطقة والأمتين الإسلامية والعربية.
وأضاف فى تصريحات صحفية اليوم: "اكتسب الراحل وهو يركض فى مضمار العمل الدبلوماسى فى عهود أربعة من ملوك الكثير من الخبرات والمواهب الإدارية التى استقاها من توجيهات قادة البلاد، فبقيت الدبلوماسية الوطنية مؤسسة عالية الأداء، تخرجنا على يديه ونهضنا بأعباء للحفاظ على علاقاتنا الإقليمية والدولية بكل جدارة واستحقاق، فقد سجل حضوره الدبلوماسى وسمعة بلاده على مختلف المنابر العربية والإسلامية والدولية، فهو كما خاطبه الملك سلمان بن عبد العزيز (عرفنا فيكم الإخلاص فى العمل والأمانة فى الأداء والولاء للدين والوطن فكنتم لوطنكم خير سفير ولقادته خير معين).
دبلوماسية الفيصل
ورث الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - هذه الدبلوماسية من والده، الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - حيث تسلم دفة قيادة وزارة الخارجية طيلة 44 عاما، وكان الأمير سعود الفيصل شغوفا بالسياسة منذ صغره، حيث تسلم والده العمل السياسى وعمره آنذاك تسع سنوات، لم يمنعه صغر سنه من التعلق بهذا المجال المعقد الذى يتطلب فهما وإلماما موسعا بمجريات الأحداث وأهدافها واتجاهاتها.
شهد العالم بأسره بجولات ورحلات الأمير "الفيصل"، وأثنى القادة والزعماء على دوره الواضح فى رسم السياسة والدبلوماسية التى نال ريادتها باقتدار، ورثاه العديد منهم بعبارات أبرزت نواياه النبيلة، حيث أضحت أعماله دروساً تدرس فى نهج السياسة، فكان حكيماً ومجاهداً بالكلمات التى أسهمت فى ترسيخ مسيرة الوطن.
إسهامات الأمير سعود فى وزارة الخارجية
أسهم الأمير سعود الفيصل فى إحداث نقلة نوعية كبيرة فى وزارة الخارجية السعودية، التى تأسست عام 1349، حيث كان عدد البعثات الديبلوماسية الأجنبية فى المملكة لا يتجاوز تسع بعثات، ثم ازداد عددها ليصل إلى 29 بعثة بعد إنشاء وزارة الخارجية.
واستمر العمل التطويرى الضخم على يد الملك فيصل فى وزارة الخارجية ليزداد التمثيل الديبلوماسى الأجنبى فى المملكة تدريجيا، حتى وصل فى عهد الأمير سعود الفيصل إلى نحو 157 ممثلية موزعة ما بين 98 سفارة فى العاصمة الرياض، و59 قنصلية فى الرياض وجدة والدمام، فيما بلغ عدد ممثليات المملكة فى الخارج نحو 116 ممثلية ما بين سفارة وقنصلية ووفود ومكاتب تجارية.
وأسهم الأمير سعود الفيصل فى تنفيذ أهداف السياسة الخارجية للمملكة بما ينسجم مع مبادئها فى سبيل رعاية مواطنيها ومصالحها الوطنية والمساهمة فى الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، مستمدا أهدافه من القيم الأساسية ومنظومة المبادئ الإسلامية والاجتماعية والمهنية كعناصر أساسية فى ثقافة المملكة التنظيمية، وعمل على ترسيخها فى ثقافة العاملين والوحدات التنظيمية فى جميع المستويات.
سياسة "الفيصل" مع الربيع العربى
فى مرحلة الربيع العربى، اتسمت سياسة الأمير سعود الفيصل بالثبات الشديد والقدرة على تبنى مواقف منحازة للشعوب، وهو ما ظهر جليا فى موقف السعودية إزاء ثورة 30 يونيو 2013 فى مصر، فقد وفرت الدبلوماسية السعودية كافة سبل الدعم للقاهرة، ووقفت فى وجه الضغوط الدولية والإقليمية التى تعرضت لها مصر فى ذلك الوقت.
دوره فى دعم ثورة 30 يونيو
لذا.. فإن للأمير سعود الفيصل مكانة خاصة فى قلوب المصريين، لما شهدوه منه من الجهود لدعم مصر، خاصة بعد "ثورة 30 يونيو" التى شهدت تحركات واتصالات دولية من جانبه بهدف تغيير الموقف الدولى منها وتأصيل أن ما جرى هو "ثورة شعبية".
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية، آنذاك، عنه قوله "من أعلن وقف مساعداته لمصر أو يلوح بوقفها، فإن الأمة العربية والإسلامية غنية بأبنائها وإمكاناتها ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر" فى إشارة إلى تهديد الاتحاد الأوروبى بذلك.
قضايا الأمة العربية
عاش الفيصل قضايا الشرق الأوسط والعالم العربى بكل تفاصيلها بدءاً من القضية الفلسطينية ثم حربى الخليج الأولى والثانية، والغزو العراقى للكويت والحروب الإسرائيلية، فضلا عن التدخلات الإيرانية وأطماعها فى المنطقة العربية التى كانت دائماً ما تشكّل هاجسًا يؤرق الفيصل، ويستشهد الجميع على مواقفه الحازمة وآرائه الحاسمة بقوله المأثور: "لسنا دعاة حرب ولكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها".
وبذل الأمير الفيصل جهودًا كبيرة من أجل إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وذلك بالتوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989، علمًا أنه تولى حقيبة الخارجية عام 1975 بعد سبعة أشهر من وفاة والده الملك فيصل.
وبالتزامن مع توجهه لإنهاء الحرب اللبنانية، قاد أمير الدبلوماسية السياسة الخارجية للمملكة إبان الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988) ومع الغزو العراقى للكويت فى 1990، وخلال حرب الخليج التى تبعته (1991) وصولاً إلى تحرير الكويت من قبل تحالف دولى قادته الولايات المتحدة انطلاقاً من المملكة.
أصيب سعود الفيصل بصدمة كبيرة إثر الاجتياح العراقى للكويت، كانت سببًا فى تدهور حالته الصحية لاحقاً بسبب التحركات والضغوط النفسية التى عاشها فى تلك الفترة، لاسيما لقيام دولة عربية باحتلال دولة عربية أخرى، وإحداث شرخ فى العالم العربى، حيث قال حينها إن "لدى العرب دولة عربية محتلة هى فلسطين، ونطالب العالم بحقنا فى وقف الاحتلال فى حين أن دولة عربية تحتل دولة أخرى".
وبدأ حزم سعود الفيصل أكثر وضوحًا إبان الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، حيث رفضت المملكة السماح للأمريكيين باستخدام أراضيها، ولم يتوان أمير الدبلوماسية حينها عن توجيه الانتقادات العلنية لسياسة إدارة الرئيس السابق جورج بوش فى المنطقة، خصوصًا مع الاقتتال الطائفى فى العراق فى أعقاب الاجتياح الأمريكى.
كما نالت فلسطين نصيب الأسد من اهتمام سعود الفيصل الذى تعامل معها بشكل مختلف فكانت من أولويات نشاطاته، واعتبر أن هذه القضية تحتاج إلى التحرك بشأنها ليس بالدبلوماسية فقط، وإنما باستخدام الطرق المتاحة كافة التى تمكن من الوصول إلى الهدف، وتوصيل القضية إلى المجتمع الدولى، وفرض العدالة عليه.
وتبنى عميد الدبلوماسيين التوجه إلى الجوانب القانونية، قائلا: "لو أن العرب والمسلمين اجتمعوا كدول والتزموا بالقضية الفلسطينية عمليًا فى أدائهم وعملهم ومواجهة إسرائيل بالطرق السلمية، لكسبوها".
كما ساهم الأمير السعودى فى إعادة إطلاق مبادرة السلام العربية عام 2007 بعد خمسة أعوام على إطلاقها فى القمة العربية فى بيروت، وكان يميل إلى سياسة الحذر إزاء إسرائيل فهو يعتبر أن أى علاقة معها يجب أن تكون مرتبطة بحل النزاعات بين الدولة العبرية وبين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وذلك على أساس انسحاب كامل من الأراضى من المحتلة.
قالوا عن الفيصل
سُئل الرئيس العراقى الراحل صدام حسين من الرجل الذى تخشاه ابتسم فقال: سعود الفيصل أدهى من قابلت فى حياتى فحينما كنت فى حرب إيران جعل العالم معى وبعد أن دخلت الكويت قلب العالم ضدى وكل ذلك يكون فى مؤتمر صحفى واحد.
وقال ميخائيل غورباتشوف آخر روساء الاتحاد السوفيتى: "لو كان لدى رجل كـ(سعود الفيصل) ما تفكك الاتحاد السوفيتى وانتهى".
أما ديفيد ميليبند وزير الخارجية البريطانى السابق فقال: "سعود الفيصل يستطيع أن يحصل على ما يريد ومنح السعودية قوة خارجية لا يستهان بها".
وأضاف أحد مستشارى الرئيس الروسى بوتين: "إن سعود الفيصل يتحدث بوضوح تام يجعل محدثيه فى حيرة من أمرهم، كيف يكون وزير خارجية بهذا الصدق!".
موضوعات متعلقة..
السفير السعودى بالقاهرة ينشر صورة للسيسى مع الراحل سعود الفيصل
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة