لم يكن أحد يتوقع أن تكون الليلة، التى ذهب فيها الشاعر صلاح عبدالصبور إلى منزل الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، للمشاركة فى الاحتفال بعيد ميلاد ابنة حجازى فى مثل هذا اليوم «13 أغسطس 1981» هى الليلة الأخيرة فى حياته.
كان عمر «عبدالصبور» ليلتها خمسين عاما وثلاثة أشهر و10 أيام «مواليد 3 مايو 1931» بمدينة الزقازيق محافظة الشرقية، وكانت تجربته الإبداعية تزين الشعر العربى، وبدا تألقها منذ ديوانه الأول «الناس فى بلادى» الصادر فى 1957، وكان أول ديوان شعر حر فى مصر يهز حياتها الأدبية، لتفرد صاحبه فى الصورة الشعرية واستخدامه لمفردات الحياة اليومية: «وعند باب قريتى يجلس عمى مصطفى /وهو يحب المصطفى /وهو يقضى ساعة بين الأصيل والمساء/وحوله الرجال واجمون /يحكى لهم حكاية.. تجربة الحياة».
وبعد هذا الديوان واصل «عبدالصبور» عطاءه الشعرى المتجدد فى «أقول لكم» و«أحلام الفارس القديم»، و«تأملات فى زمن جريح» و«شجر الليل» و«الإبحار فى الذاكرة»، ومسرحيات شعرية هى «مأساة الحلاج» و«مسافر ليل» و«الأميرة تنتظر» و«بعد أن يموت الملك» و«ليلى والمجنون» ومؤلفات نثرية هى «حياتى فى الشعر» و«على مشارف الخمسين» و«تبقى الكلمة» و«أصوات العصر» و«ماذا يبقى منهم للتاريخ؟» و«رحلة الضمير المصرى» و«حتى نقهر الموت» و«قراءة جديدة لشعرنا القديم» و«رحلة على الورق».
كانت حياته وحسب قول رجاء النقاش فى كتابه «ثلاثون عاما من الشعر» عن «دار سعاد الصباح - الكويت»: «مليئة بالنشاط العلمى والفكرى، وكان يكتب ويحاضر ويسافر كثيراً ويدير هيئة الكتاب، ويلتقى بأصدقائه كل يوم فى الصباح والمساء»، ويتساءل «النقاش» عن سبب مفاجأة الموت دون أن يعانى «صلاح» من مرض خطير، ويضيف: «تعرض لحملة عنيفة وهو فى بيت «حجازى» شنها أحد الرسامين المعروفين «بهجت عثمان» وكان مدعوا لنفس الاحتفال، وتشاء الأقدار أن يندفع هذا الرسام فى مناقشة جارحة معه، تؤدى بالشاعر إلى الانفعال الحاد والأزمة القلبية، فذهب إلى مستشفى هليوبوليس القريب من بيت حجازى فى مصر الجديدة، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة».
وتتحدث زوجته «سميحة غالب» بتفاصيل إضافية: «سبب وفاة زوجى أنه تعرض إلى نقد واتهامات من قبل أحمد عبدالمعطى حجازى، وبعض المتواجدين فى السهرة، ولولا هذا النقد الظالم لما كان زوجى قد مات»، وتضيف: «اتهموه بأنه قبل منصب رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب طمعا فى الحصول على المكاسب المالية، متناسيا واجبه الوطنى والقومى فى التصدى للخطر الإسرائيلى، الذى يسعى للتطبيع الثقافى، وأنه يتحايل بنشر كتب عديمة الفائدة، لئلا يعرض نفسه للمساءلة السياسية».
جاءت الاتهامات على خلفية الرفض الشعبى الهائل للتطبيع مع إسرائيل والذى قاده مثقفون وسياسيون ومبدعون، وفيما كان الأمر على هذا النحو، دعا السادات إسرائيل للمشاركة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى يناير 1981 أثناء رئاسة «عبدالصبور» لهيئة الكتاب المشرفة على المعرض، وكان فى»الجزيرة»مكان دار الأوبرا حاليا، وشهدت أنشطته مظاهرات قوية بداخله رفضا لمشاركة إسرائيل، شارك فيها مثقفون وسياسيون وجمهور، وزاد من حدتها ما تردد حول وجود اتفاق سرى بين السادات وإسرائيل لتوصيل مياه النيل إليها، وكان الكاتب ونقيب الصحفيين كامل زهيرى ممن فجروا هذه القضية وقادوا هذه المظاهرات.
لم يسلم «عبدالصبور» وقتها من اتهامات المثقفين له كما حدث فى منزل «حجازى» وأدت إلى وفاته حسب زوجته، لكن حجازى يرد عليها فى مقابلة معه أجراها الناقد جهاد فاضل: «أنا طبعا أعذر زوجة صلاح عبدالصبور، فهى تألمت كثيرا لوفاة صلاح، ونحن تألمنا كثيرا ولكن آلامها هى لا أقول أكثر، وإنما أقول على الأقل من نوع آخر تماما، نحن فقدنا صلاح الصديق والشاعر والقيمة الثقافية الكبيرة، وهى فقدت زوجها، وفقدت رفيق عمرها، وفقدت والد أطفالها، صلاح عبدالصبور، كان ضيفا عندى فى منزلى، وأيا كان الأمر ربما كان لى موقف شعرى خاص، أو موقف سياسى خاص، لكن هذا كله يكون بين الأصدقاء الأعزاء، ولا يسبب نقدى ما يمكن أن يؤدى إلى وفاة الرجل، والطبيب الذى أشرف على محاولة إنقاذه قال إن هذا كله سوف يحدث حتى ولو كان عبدالصبور فى منزله، أو يقود سيارته، ولو كان نائما، وفاته إذن لا علاقة لها بنقدنا، أو بأى موقف سلبى اتخذه أحد من الموجودين فى السهرة».