نقلا عن العدد اليومى..
رحلة بحث المطلقة عن عالم جديد ومجتمع يحتويها لتخرج آلامها بحرية ليست بالرحلة السهلة، طرق عديدة مسدودة تدخل فيها المرأة المطلقة وكثيرا ما تنتهى بالانزواء بعيدا عن عيون وأحكام المجتمع، ولكن مؤخرا وجدت الكثير من المطلقات تلك المساحة للصراخ والحكى والاعتراف بلحظات الضعف، بل وصناعة مجتمع خاص يدعمهم ويبدءون منه حياة جديدة على مواقع «السوشيال ميديا» فحاولن الهروب من حصار مجتمعاتهم بهذا الواقع الافتراضى الذى وفر لهم بيئة مناسبة للتعبير عن ما بداخلهم دون خوف أو خجل.
«اليوم السابع» حاولت الدخول لهذا العالم الخاص، وكشف الخلية الصغرى، الذين جمعوا أنفسهن بداخلها، لتضم الفتيات الصغيرات اللاتى حلمن بالأبيض والفارس ليفاجئن بالأسود وشبح الطلاق الذى يهاجمهن ويدق ناقوسه بعد أشهر قليلة من الزواج وربما سنوات.
البداية كانت بـ «دنيتنا موقفتش»، هذه الجملة التى اختارتها إحدى المطلقات الصغيرات لتصبح اسما لكيان صنعته لمثيلاتها كجروب مغلق على «فيس بوك»، لتجمعهن فى مجتمع صغير يضمهن من جديد ويحنو عليهن ليصبح بديلا عن قسوة المجتمع الذين يعيشونه ويواجهونه كل يوم، فقد هربن من نظراته القاسية ومن تأنيب سكانه المستمر لهن، من أهل قسوا بكل ما يملكون على بناتهن لتعيش حياة عنوانها «ظل راجل»، فاجتمعن وبدأن بتعريف أنفسهن واحدة تلو الأخرى ليكشفن عن لحظات ضعف فاصلة فى حياتهن لن يشعر بها سواهم أو من مر بظروفهن.
هيام: بنبقى عصافير محبوسة فى قفص مستنيين الجواز
تحكى «هيام « 26 سنة: «بنبقى عصافير محبوسة فى قفص مستنين الجواز وبنفرح بيه وبعد كده بيفاجئنا باللى عمرنا ما نتوقعه»، واستكملت «أصعب ما فى الموضوع بدايته بيوحشنى بيتى واستقرارى وخاصة أنها كانت قصة حب بس للأسف ده القرار الصح، بحاول أتعود إنى لوحدى مع أن الذكريات فى كل مكان بتوجع بس إن شاء الله هبقى قوية وهتغلب على مشاعرى».
وأضافت أن سبب الطلاق هو خيانته لها التى اكتشفتها بعد فترة قصيرة من زواجها، وإنجابها لأول طفل فبدأت المعاملة تتغير معها ثم أنجبت طفلها الثانى فتدهورت العلاقة أكثر معه وبدأ أهله فى التدخل فى حياتها بشكل سافر، وأصبحت تتعرض للعداء النفسى والمعنوى من قبل زوجها.
وأوضحت أن المفاجأة بالنسبة لها، كانت عندما اكتشفت زواجه عليها بعد إصرار أمه على تزويجه من أخرى بحجة أنها «مش مريحاه»، وعندما اكتشفت واجهته، ولكنه لم ينكر الحقيقة، وأكد لها الخبر، وعليها القبول أو الرحيل، فاضطرت للقبول لأنها كانت حاملا فى الطفل الثالث إلا أنها لم تستطع أن تستمر طويلا على هذا الوضع.
واستكملت: «كنت بتصل بيه يزعقلى ويقولى أنه عند مراته التانية»، فى هذه المرة لم تستطع الاستمرار فأحضرت أشياءها وتوجهت على الفور إلى بيت أهلها، الذين رفضوا قرارها وهددها والدها إذا أصرت على فكرة «الطلاق» فأنه سيطلق والدتها، إلا أنها قررت تحمل نتيجة قرارها مهما بلغ الأمر. كنت أتردد من وقت للآخر على فيس بوك وأتابع الجروبات النسائية، وكنت أقرأ قصصا مشابهة لحالتى فرويت ذات مرة قصتى، التى علقت عليها عشرات النساء وشجعونى على القرار، وعندما حصلت على حريتى كانوا هن أول من أبلغتهن به ليساعدونى على بدء حياتى الجديدة ورفع روى المعنوية حتى لا أشعر بالانكسار الذى شعرت به عندما واجهت أهلى ومعارفى بقرارى، وأسعى لحياة جديدة لى ولأولادى مهما بلغ ثمنها.
عبير: السوشيال ميديا أخرجتنى من دائرة «المنبوذات»
أما «عبير» 29 سنة، واجهت شبح الطلاق مبكرا بعد تخرجها من الجامعة تزوجت وهى فى سن الــــ 22 عاما، عندما أبلغتها أمها أن هذه السن هى المناسبة لبناء بيت وأسرة وأن تنتقل لبيت زوجها، كان زوجها يكبرها بــ 14 عاما لم أكن أدرك معنى الزواج وكان دائما يشعرنى أننى تافهة وسطحية وكل ما يسعى إليه هو إلغاء شخصيتى. وأضافت وصلنا إلى مرحلة «الخرس الزوجى»، كنت عندما أشعر بإعياء كان يقابله بفتور شديد، وكأننى لست إنسانة من لحم ودم، ويتركنى أتألم، إلى جانب تركه لى بالشهور بحجة العمل.
كنت أعيش فى منزل أهله وكانت أمه هى المتحكمة فيه، وكان متعلقا بها بشدة لدرجة أنه كان يطلب منها قضاء له كل أغراضه وكان يسمح لها بالتدخل فى حياتهم، حتى فى أبسط الأشياء، حتى اكتشفت خيانته وعندما واجهته أنكر بشدة واتهمها بعدم الأمانة لتدخلها فى خصوصيته، ولم يهتز أمام دموعها التى انهمرت أمامه ليلا نهارا. وأكدت أنها عندما تأكدت من خيانته قررت ترك المنزل، فقامت «حماتها» بالتعرض إليها بالضرب المبرح حتى لا تأخذ أيا من أغراضها معها وترك كل شىء واستمرت سنوات بالمحاكم، وسط نظرات قاسية من كل من حولها وخاصة صديقاتها اللاتى بدأن حياتهن الزوجية وأنجبن وهى تنهى زواجها، حتى تعرفت على جروب المطلقات الذين أثروا على حياتها بشكل كبير، مؤكدة أنها لم تشعر أنها منبوذة، كما كانت تشعر سابقا وبدأت حياة جديدة بالبحث عن العمل وخلع النظارة السوداء وأصبحت أكثر حيوية بعد التخلص من هذه الزيجة.
شريفة: بدأت مشروعى الجديد على فيس بوك بعد الطلاق
«شريفة» 27 سنة متزوجة منذ عشر سنوات ولديها طفلان، بدأت حياتها مع الزواج عندما أنهت دراستها الثانوية ورفض أهلها استكمال تعليمها ورأوا أن الزواج هو الاختيار المناسب، حتى تجد نفسها بين أربع حيطان مع رجل يكبرها بــ 12 عاما قبيح الوجه جاف المعاملة، تأكدت من أول يوم أن حياتها لن تكتمل معه.
كان يعمل خارج مصر وفى إجازته السنوية يقوم بحبسها بالأيام بالمنزل حتى لا تخرج منه، ويقوم بضربها بشكل مبرح جعلها تكره تواجده فى المنزل، واستمرت حياتها بهذا الشكل تتمنى أن تنتهى كل يوم، ولكن أهلها وأخواتها كانوا يعارضون بشدة.
حتى أتى اليوم الذى قررت أن تواجه وتستمد شجاعتها من أطفالها الذين يشاهدونها فى العذاب ليلا نهارا، ولكنها تفاجأت بعد عودتها من رحلة زواج فاشلة وعندما لجأت إلى بيت أهلها، أنهم لم يتقبلوا الأمر الواقع ولم يستقبلوها بالمحبة والعناية المتوقعة، بل زادوا معاناتها، وأصبحوا ينظرون إليها كمذنبة، واتهموها بالتقصير المخلّ فى حق زوجها، وحُملت مسؤولية فشل الزواج.
وبالرغم من صغر سنها وانغلاقها الشديد قررت المواجهة والانفصال التام عنهم، وبدأت تسأل مثيلاتها عن طريقة لكسب الرزق الحلال والاستقلال عن أهلها، حتى اقترحت فتاة عليها بدء مشروع صغير من خلال التسوق الإلكترونى وبيع مستلزمات العروس عن طريق جروبات الفيس بوك، وبالفعل بدأت فى ذلك حتى ربحت تجارتها واستطاعت تأجير محل صغير وتجهيزه لتبدأ رحلة جديدة خالية من قهر رجل وتحكم أهل.
أشهر ما بعد الانفصال.. مرحلة «عنق الزجاجة»!
بالرغم من كل هذه المعاناة، التى كشفتها تلك الفتيات فى مجتمعهم الافتراضى إلا أنه تظل المرأة المطلقة هى المكافحة التى تسعى لكسب رزق أطفالها، فى ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، التى تعيشها، فقد أصبحت أقوى من ذى قبل، وذلك بعد قرارها الخروج والاعتماد على نفسها من جديد. وأصبحت أكثر وعياً وحذراً بسبب تجربتها السابقة، وأصبحت تعرف الطريق الذى تدعم به نفسها وتعيد ثقتها بنفسها والخروج من عنق الزجاجة، والإقبال على الحياة من جديد دون قلقٍ وإحباط.
مستشار علاقات أسرية: «التواصل الاجتماعى» ظاهرة صحية تساعدهن على خلق واقع جديد
يقول الكاتب، إيهاب معوض، استشارى العلاقات الأسرية: إن ظاهرة جروبات المطلقات على «السوشيال ميديا»، هى محاولة للهروب من الواقع وخلق واقع موازٍ أو افتراضى جديد يجعل المطلقة تشعر بالحرية والجرأة دون أن تجد من يذكرها بمأساتها والابتعاد عن مرارة واقعها.
وأضاف «معوض»، أن المطلقة بهذا الشكل استطاعت فى خيالها التخلص من القيود الواقعية المفروضة عليها من أشخاص حولها، لتختار هى من يتناسب مع شخصيتها من أصدقاء وغيرهن لهن نفس ظروفها ويعشن ما تعيشه فهن أقدر الناس بالشعور بها.
وأكد «معوض» أن هذه الظاهرة صحية جدا بالنسبة لهن وخلق واقع افتراضى هو ذكاء منهن حتى يستطيعن التخلص من ضغوط الواقع وكسب سمات جديدة بشخصيتهن تجعلهن يستطعن المواجهة من جديد.
الحكاية.. إن حياتى بقت مملة جداً.. ابتعدى عن العزلة لأنها تمنعك من الانخراط فى النشاطات الاجتماعية
كمحاولة أخيرة لاستغاثة أرسلت لنا رسالتها «أنا مش عارفة إيه اللى حصل لى، حياتى بقت وحشة ومملة. بعدت عن ناس كتير بلا سبب محدد مش عارفة ليه بقيت كده.
أنا كنت اجتماعية أوى وليا نشاطات كتير، لكن دلوقتى حتى لما بقيت آخد خطوة تجاه نشاط أو تجمع مع حد برجع خطوة لورا وألغيه. أخرج من الحالة دى ازاي؟ أنا كرهت نفسى.
ونقول لصاحبة الحكاية..
ما تصفينه يا عزيزتى له مسمى واحد وهو « الاكتئاب» لا يجب أن تكرهى نفسك أبدًا فكل ما تمرى به خارج عن إرادتك، وأنتِ بحاجة إلى مساعدة حقيقية وعاجلة من شخص مختص ليضع يده على أسباب الاكتئاب وغياب التوازن النفسى لديكِ ثم يساعدك على علاجها.
هذا الاتجاه نحو الانعزال والتقوقع على الذات، ثم كراهية النفس ورفضها يدل على أن الاكتئاب لديكِ يتطور ويتجه نحو مراحل أكثر خطورة لو لم تتصدى له فى الوقت المناسب لأنه الآن يمنعك عن الانخراط فى النشاطات الاجتماعية ولكنه غدًا سيمنعك عن تأدية عملك أو الحضور لجامعتك أو مدرستك ويؤثر بدرجة خطيرة على مستقبلك.
وحتى يحدث هذا، وحتى تتخلصى من الاكتئاب للأبد لا يجب إلا أن ترفقى بنفسك ولا تجلدينها لأن هذا لن يزيد الأمور إلا سوءًا وأنت بذلك تزيدين من اكتئابك وقد يأخذ الأمر منحنى أكثر خطورة حتى من مجرد التأثير على مستقبلك.