عرفت الإسكندرية بآثارها الجميلة والكثيرة المترامية فى كل أطراف المدينة، والتى تعود إلى مختلف العصور، وذلك بسبب طبيعة المدينة "الكوزموبوليتانية" التى عاصرت عصورا تاريخية مختلفة من (العصر الفرعونى والرومانى واليونانى والقبطى والإسلامى)، ولعل أشهر ما عرف عن الإسكندرية هو اعتبارها مخزنا للآثار، حيث يقع تحت الطبقة الأولى منها أثار لتلك العصور، وهو ما يجعل البناء على أراضى الإسكندرية أمر بالغ الصعوبة، خاصة أنه عند الحفر فى أى مكان إلى عمق كبير يتم اكتشاف شواهد أثرية تعود إلى أحد العصور السابقة.
خريطة جبانات الإسكندرية فى العصر الإسلامى
المرسى أبو العباس" دفن فى "باب البحر"
وقد اشتهرت الإسكندرية أيضا بأنها منطقة كانت تستخدم قديما كجبانة للموتى خاصة فى العصر الإسلامى، حيث يوجد بها 5 جبانات تعود إلى هذا العصر، لم يبقى منهم إلا 2 فقط وهما "عامود السوارى" و"كوم الناضورة"، وكلاهما تحولتا إلى مزارات سياحية.
وتقول دكتورة شيماء السايح الحاصلة على دكتوراه فى الآثار الإسلامية، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" إن عدد جبانات مدينة الإسكندرية فى العصر الإسلامى خمس جبانات تتوزع فى عدة أماكن بالمدينة هى الجبانة الشرقية، وتقع خارج باب رشيد شرق المدينة، ومن أشهر من دفنوا بها؛ الأمير قديد القلمطاوى، ومحمد بن عوض المالكى المعروف بجنيبات.
الميناء الشرقى مأخوذ من القرافة
وأيضا مقبرة القرافة وتقع خارج باب الإسكندرية الغربى الذى عرف بنفس الاسم "باب القرافة"، لأنه كان يفتح على هذه المقبرة.
مقبرة كوم الدكة عرفت أيضًا بمقبرة كوم الديماس، وكانت تقوم فى سور المدينة الشرقى، دفن بها العديد من مشاهير الإسكندرية مثل؛ الشيخ نهار المغربى، وقد شرع فى إزالة هذه المقبرة فى الفترة بين عامى (1376: 1378هـ/ 1956: 1958م) حيث تم الكشف فى أسفلها على أحد الآثار الرومانية المهمة "المسرح الرومانى"، ولايزال المكان محتفظًا باسمه حتى اليوم، حيث يوجد به أشهر أحياء مدينة الإسكندرية وهو حى "كوم الدكة".
أما مقبرة الباب الأخضر فتقع فى الجانب الغربى من المدينة داخل نطاق الأسوار، وتعتبر هذه المقبرة من أكبر مقابر المسلمين داخل سور المدينة الغربى، وكانت تعرف هذه المقبرة باسم جبانة وعلة، ودفن بها جماعة من أعلام الفقهاء والعلماء والزهاد والصالحين ومنهم أبو بكر الطرطوشى المتوفى عام 520هـ (1126م)، والحافظ السلفى المتوفى عام 576هـ (1180م)، وعبد الرحمن بن هرمز.
أحد شواهد القبور الأثرية
وأخيرا مقبرة خارج باب البحر وتشير دكتورة شيماء السايح إلى أن الجبانة عرفت بهذا الاسم نسبة إلى موقعها خارج هذا الباب جهة الشمال، فيما بين مينائى الإسكندرية الشرقى والغربى، حيث شبه جزيرة الفنار، وكان هذا الجزء من شبه الجزيرة والذى يتوازى مع أرض المدينة الحديثة مخصص فقط لمقابر المسلمين، وتتضح هذه المقابر على خرائط علماء الحملة الفرنسية بواسطة خطوط صغيرة سوداء وممتلئة المدافن الخاصة بالعائلات، وتشكل أضرحة من الرخام الأبيض أو الحجر الجيرى، وبنيت فى بساطة تتفاوت درجة تزيينها بالرسوم والكتابات، وتعرف أيضًا هذه المقبرة "بقرافة الجزيرة"، وقد أطلق الرحالة على هذه المقبرة اسم "مقبرة الإسكندرية" لكثرة من دفنوا بها من أعلام المدينة وعلمائها وشيوخها، ومنهم أحد أعلام التجار السكندريين وهو "محمد بن عبد اللطيف البرلسى السكندرى"؛ المتوفى عام 881هـ (1476م)، وممن دفنوا بهذه المقبرة من الفقهاء والعلماء وأعلام الثغر؛ أبو العباس المرسى المتوفى عام 685هـ 1287م.
شواهد قبور أثرية بمنطقة كوم الناضورة
تحديث الجبانات فى 1884
وحول تاريخ تحديث الجبانات فى الإسكندرية قالت شيماء السايح إن الإسكندرية قد شهدت تحديث الجبانات منذ عام 1302هـ (يونيو عام 1884م)، حين صدر قرار من نظارة الداخلية بشأن العناية بجبانة عمود السوارى وردم الحفر الكائنة وسطها، كما أصدرت الحكومة المصرية عدة قرارات تفضى بمنح الأجانب بالمدينة مساحات من الأراضى لإقامة جبانات خاصة بهم، وعندما تم إنشاء المجلس البلدى لمدينة الإسكندرية عام 1308هـ (1890م)، تم تشكيل لجنة أطلق عليها "لجنة الجبانات" اختصت بالنظر فى كل ما يتعلق بالجبانات، من حيث مراقبة أعمال التوسع والتحديث فى الجبانات.
أحد شواهد القبور محفوظ بمتحف الفنون الجميلة
المكانة الاجتماعية والثروة للمتوفى كانت تؤثر فى شكل شواهد القبور
وعن أشهر من دفن فى تلك المقابر قالت دكتورة شيماء السايح إن مكانة المتوفى الاجتماعية أو وظيفته أثناء حياته ومبلغ ثروته، ثم قدر عائلته ومستواها الاجتماعى والاقتصادى من العوامل التى كانت تؤثر تأثيرًا كبيرًا على اختيار نوع ونموذج المقبرة التى تشيد له، وعلى هيئتها وحجمها وعناصرها، حيث كانت قبور الأعيان وذوى الثراء والمكانة الرفيعة تعلوها شواهد تحمل أسماءهم وتاريخ وفاتهم.
كوم الدكة قديما قبل إزالتها
نقل شواهد القبور الأثرية إلى "كوم الناضورة" و"متحف الفنون الجميلة"
وأشارت إلى أن هناك مجموعة من التراكيب الرخامية وشواهد القبور من الجبانات القديمة بعضها محفوظ فى منطقة كوم الناضورة الأثرية، والبعض الآخر محفوظ فى متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية.
وأشارت إلى أن الشواهد المحفوظة فى متحف الفنون الجميلة، تم نقلها فى عام 1359هـ (1940م) من المقابر القديمة المحاطة بميدان المساجد جهة مسجد أبى العباس المرسى "مقبرة باب البحر" عند توسيع ميدان المساجد.
جبانة عامود السوارى قديما
وفى سياق متصل تجرى حاليا استعدادات تتم على قدم وساق بمنطقة "كوم الناضورة الأثرية"، حيث تقوم إدارة منطقة الآثار الإسلامية بالإسكندرية بعمليات تطوير بالمنطقة، وذلك تمهيدا لإعادة افتتاحها للجمهور للزيارة.
موقع مقبرة باب البحر التى دفن بها المرسى أبو العباس
خريطة الجبانات
أبواب مدينة الإسكندرية قديما وبها الجبانات
أبواب وأسوار مدينة الإسكندرية قديما
الإسكندرية فى القرن 12 هجريا
كوم الناضورة قديما
وضع شواهد القبور الأثرية بمنطقة كوم الناضورة استعدادا لإعادة افتتاحها للزوار
منطقة كوم الناضورة